من الذين سجل التاريخ مواقفهم منذ فجر الدعوة المحمدية التي جاء بها سيد المرسلين محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلموصارت داره مقصداً لكل باحث في تاريخ الدعوة وكيف كانت هذه الدار تضم المسلمين الأوائل فقد كانوا يبتعدون فيها عن المشركين خوفاً من بطشهم وغدرهم وإيذائهم. وصارت علامة بارزة يقصدها الضعفاء الذين دخلوا في الإسلام. صاحب هذه الدار هو الأرقم بن أبي الأرقم ابن مخزوم القرشي المخزومي وأن أمية بنت عبدالحارث. يكني بأبي عبدالله. وكان من السابقين في الإسلام وقيل إنه كان الثاني عشر بين من أسلموا علي يد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. وصارت دار الأرقم بن أبي الأرقم كلمة السر التي تتردد علي ألسنة كل من يدخل في الدين الحنيف فهي الملجأ والملاذ. كما صارت هذه الدار أحد المعالم الرئيسية لكل من أراد تتبع السيرة النبوية وتسجيل هذه المسيرة المحمدية منذ أعلن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم أنه جاء برسالة لأهله في أم القري وللناس أجمعين. تنفيذاً لأمر رب العالمين "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين". هذه الدار أصبحت مقصداً لكل من ينضم إلي دعوة الحق وتقع في أصل جبل الصفا. وهي التي حظيت بتشريف سيد الخلق حيث استخفي بها مع أصحابه من المسلمين لما خافوا من المشركين وإيذائهم. وظلوا يتوافدون علي دار الأرقم واحدا تلو الآخر وظلوا كذلك حتي اكتمل عددهم أربعين رجلاً. كان آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبعد إسلامه جهر بالدعوة وكانت له وقفة مشهورة حيث صاح قائلاً: لماذا نمضي في السرية ولابد أن نجهر بها موجهاً كلامه لسيد المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم مضيفاً: إننا لا نرضي الدنية في ديننا وكان عمر رضي الله عنه جريئاً وقوياً يخشاه سائر أهل مكة. وبعد إسلام عمر قويت شوكة المسلمين وكان انضمامه للإسلام استجابة لدعوة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم "اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين. عمر بن الخطاب. وعمرو أبو جهل فكان الخير من نصيب ابن الخطاب وأصبح يوم إسلامه تاريخياً لانطلاق دعوة الحق من السرية إلي العلانية وتتابع دخول الناس في دين الله أفواجاً". وبعد أن استقر المسلمون في أم القري وقويت شوكتهم وصارت لهم كلمة بين الأهل والجيران كان للأرقم رغبة في الذهاب إلي بيت المقدس. يقول يحيي ابن عمران بن عثمان بن عفان بن الأرقام عن عمه عبدالله بن عثمان وعن أهل عن جده عثمان: ان الأرقم قد أعد العدة من أجل المضي في تحقيق رغبته والآمال التي تتردد في صدره. فلما فرغ من الاستعداد لتجهيز هذه الرحلة توجه إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم كي يودعه قبل أن يمضي في رحلته إلي الشام حيث بيت المقدس هنا قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ما يخرجك أحاجة أم تجارة؟ قال: لا يا رسول الله. بابي أنت وأمي ولكني أريد الصلاة في بيت المقدس. بعد أن انتهي الأرقم من كلامه قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم يا أرقم: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. بعد أن سمع الأرقم هذا الحديث من رسول الله صلي الله عليه وسلم استجاب علي الفور وجلس في مكانه حيث استقر به المقام في المدينةالمنورة فقد كان من المهاجرين الأولين وشهد بدراً مع رسول الله صلي الله عليه وسلم. وكان الأرقم محل رعاية سيد المرسلين ففي يوم بدر نفله منها سيفا. كما استعمله علي الصدقات. وذلك لثقة رسول الله صلي الله عليه وسلم في الأرقم وأن الصدقات سوف تصل لمستحقيها علي يد هذا الصحابي. وقد كان للأرقم شرف الرواية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من ذلك علي سبيل المثال الحديث الذي ينهي عن تخطي الرقاب يوم الجمعة. وقد ظل الأرقم علي وفاته وعهده ونور الإيمان يتلألأ في صدره ولا غرو فهو الذي احتضن رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمين في داره ولم يخش بطش قريش. وبعد هذه الرحلة وافته المنية في سنة ثلاث وخمسين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة وقد أوصي أن يصلي عليه سعد بن أبي وقاص وقد تحقق له ما أراد ودفن بالبقيع.. رحمه الله رحمة واسعة.