في الوقت الذي تستعد فيه العاصمة الأمريكيةواشنطن لانطلاق الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين. الجمعة القادم. بحضور آلاف المسئولين الرسميين من وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزي بالدول الأعضاء ويبلغ عددها 189 دولة . تستعد الحكومة المصرية لاصدار القرارات التنفيذية لبعض تعهداتها لصندوق النقد الدولي في اطار اتفاقها مع الصندوق الذي تم الموافقة عليه بصفة مبدئية وتحصل مصر بموجبه علي قرض بنحو 12 مليار دولار علي 4 سنوات وذلك في اطار حزمة مالية تقدر بنحو 21 مليار دولار تسعي مصر للحصول عليها من مصادر مختلفة لسد فجوة النقد الأجنبي التي يعاني منها ميزان المدفوعات. ومن المتوقع - بحسب مصادر رسمية - ان يصدر البنك المركزي المصري قراراً وشيكا بتخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ربما خلال ساعات وقبيل تحرك البعثة الي واشنطن. ويتوقع البعض ان يتم التخفيض علي مرحلتين فيما يتوقع البعض الآخر ان يتم التعويم دفعة واحدة للتأثير علي سوق الصرف غير الرسمية. وبهدف توحيد سعر الصرف. وكانت مؤسسات مالية قد اصدرت توقعاتها خلال مؤتمر اليورومني بان يتراوح سعر الدولار بين 11 و12 جنيهاً. بينما رشحه خبراء لأكثر من ذلك. ومن المتوقع ايضا ان تصدر الحكومة قراراً بزيادة اسعار البنزين والسولار. وذلك بهدف اثبات جدية الحكومة في تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي. ومن ثم سرعة الموافقة النهائية علي الاتفاق والقرض من جانب مجلس المديرين التنفيذيين للصندوق. وعلي الرغم من ان قرار تخفيض الجنيه اصبح امرا متوقعا في ظل إلحاح تصريحات البنك المركزي والحكومة حول تقييم العملة المحلية باكثر من قيمتها وضرورة القضاء علي السوق الموازية. الا ان هناك تخوفات كبيرة من آثار سلبية مباشرة علي مستويات الاسعار خاصة في ظل غياب الرقابة علي الاسواق والتي أكدها الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته علي هامش زيارته لمنطقة غيط العنب. وفيما تري الدكتورة أمنية حلمي استاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ان تخفيض الجنيه يكاد يكون امرا واقعا خاصة ان غالبية تعاملات التجار والمستوردين تتم علي اساس اسعار السوق الموازية التي تزيد بنحو 50% عن السعر الرسمي. إلا أنها تؤكد ان التخفيض سوف يكون له اثره المباشر والفوري علي الأسعار خاصة في ظل انعدام الرقابة وشراسة الاحتكارات. وغياب توافر المنتج المحلي بالجودة الواجبة. تري حلمي ان خطة الدولة للحماية الاجتماعية قاصرة علي استيعاب الآثار السلبية لتعويم العملة حيث ان البرنامج الحالية تستهدف الفئات المصنفة بفئة الفقر المتوقع والتي وصلت نسبتها نحو 27% وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء. أما الطبقة الوسطي فهي التي تتحمل بالاساس صدمات قرارات الاصلاح سواء ضريبة القيمة المضافة التي رفعت اسعار السلع والدمات او تخفيض العملة وهو ما يؤدي الي تآكل هذه الطبقة وشدها الي شريحة الفقراء. وبالتالي تراجع الطلب المحلي الذي يمثل احد محركات النمو الاقتصادي. وتؤكد حلمي علي ضرورة تشديد الرقابة علي الاسواق وكسر الاحتكارات القائمة. ويري اشرف العربي الرئيس السابق لمصلحة الضرائب والنائب بالبرلمان. ان قرار تخفيض العملة شبه قائم والحكومة تتحدث عنه منذ لترة لكن التوقيت غير معروف وان كانت الدلائل تشير الي قربه. خاصة وان الحكومة تسرع الخطي حاليا نحو جمع المليارات الست التي يشترط الصندوق علي الحكومة توفيرها قبيل صرف الشريحة الأولي للقرض. وفيما يؤيد العربي التعويم الكامل للجنيه باعتباره الاكبر اثرا والاسرع في حل مشاكل النقد الاجنبي في حين ان التعويم المدار يستغرق وقتا ويحتاج احتياطياً ضخماً من النقد الاجنبي. إلا أنه يري ان القرار سوف ينتج عنه ارتباك في الاسواق وعملية التصنيع وتقديم الخدمات وانكماش في الطلب المحلي مشيراً الي ان توقيت اتخاذ القرار مهم للغاية في نجاحه والحد من اثاره السلبية. فعلي سبيل المثال تطبيق ضريبة القيمة المضافة كان يستلزم معدل تضخم منخفضاً وليس مرتفعاً. وكان يمكن اصدار الضريبة تلبية لمطالب الصندوق وتأجيل تطبيقها للوقت المناسب حتي تحقق الحصيلة المنتظرة. يؤكد العربي علي ضرورة وضع شبكة حماية اجتماعية تأخذ في اعتبارها الطبقة المتوسطة منعا لسقوطها في براثن الفقر مشيراً الي ان الاقتصادات العالمية تستهدف توسيع تلك الطبقة التي تسهم بالدور الاساسي في النمو الاقتصادي في حين ان السياسات الحالية تسير في الاتجاه المعاكس. يطالب العربي باعادة ترتيب أولويات الحكومة ليكون علي رأسها جذب الاستثمار الاجنبي المباشر للمساهمة في توليد معدلات نمو أعلي وخلق فرص عمل تسهم في انتشال الفقراء وتحسين ظروفهم المعيشية. "لست من حيث المبدأ من أنصار تخفيض قيمة الجنيه" يقول الدكتور رشاد عبده استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لافتاً إلي أن المشكلة ليست في العملة المحلية بقدر ما هي في السياسات الحالية والتي أوصلتنا إلي صندوق النقد الدولي وقرضه إلي جانب اصدار سندات دولارية في الأسواق الدولية. وقال ان الناس لديها درجة تحمل معينة ولا تستطيع تجاوزها خاصة في ظل قرارات متعاقبة أدت إلي زيادة الأعباء المعيشية وأهمها ضريبة القيمة المضافة وزيادة أسعار الطاقة. مشيراً إلي أن تخفيض الجنيه ينعكس مباشرة علي أسعار السلع والخدمات حتي لو كان بعضها مقوماً علي أساس أسعار السوق السوداء. وبحسب رشاد عبده فإن شرط الصندوق توفير 6 مليارات دولار قبل الحصول علي القرض لم تنجح الحكومة علي تحقيقه حتي الآن وربما كان ذلك السبب وراء التعجيل بقرار خفض الجنيه الذي تراهن عليه الحكومة في تحقيق الحصيلة المطلوبة فضلاً عن تشجيع الصندوق علي صرف الشريحة الأولي من القرض.