البحيرة.. لم تعد كما اسمها.. مثل كثير من الأشياء "كانت".. تتشبث بالحياة.. يمر عليها المحافظون الواحد تلو الآخر.. قليل يبني. وكثير كالغزاة "يهدمون" لكنها بقيت ككل مصر.. صابرة.. تنتظر الفجر والعودة من "التيه". "البحيرة" حلقة أولي من ملف نطوف فيه محافظات مصر.. نرصد الواقع وتصريحات المسئولين والتناقض هنا وهناك تبقي "مصر التي".. في الخاطر وفي القلب والأحلام "ست الكل" و"أم الدنيا" حتي لو لم يكن فيها سوي ضحكات الطيبين. واقع الحال في البحيرة يغنيك عن السؤال.. لست بحاجة للحديث مع المسئولين لتعرف طبائع الامور في تلك المحافظة. فالامور فيها لم تتغير منذ زمن. وإن جد جديد. فربما ليس أكثر من مقهي ينضم إلي هذا الرقم القياسي من المقاهي التي أصبحت سمة العاصمة دمنهور. لاستيعاب أعداد العاطلين من الشباب ومعهم المحبطون ممن يرون الامور تسير علي حالها بلا جديد. ذاكرة الناس في المحافظة لاتحفظ سوي عدة محافظين. هم من قدموا لها شيئاً وأضافوا إليها جديداً. يتصدرهم بالطبع وجيه أباظة الذي يلقبه البعض ب "محمد علي البحيرة" فهو باني نهضتها. وهو أول محافظ لها بعد ان كانت مديرية.. هو من بدأ ثورة الاصلاح وجعلها محافظة ذات طابع خاص. وجعل لعاصمتها بعداً جغرافياً. وأنشأ فيها عدداً من الصروح التي مازالت تضعه بين الناس حتي الآن. مثل ستاد البحيرة الرياضي. ونادي دمنهور الاجتماعي الرياضي. وشارع عبدالسلام الشاذلي. ودمنهور الجديدة.. باختصار لاتذكر البحيرة إلا ويقفز إلي الذاكرة وجيه أباظة. وحتي الآن. وبالرغم من أن الرجل تولي أمور البحيرة لثماني سنوات تقريباً من 1960 وحتي 1968. إلا انه لا أحد وصل إلي مكانته أو اقترب منها. تحفظ ذاكرة الناس في الشارع البحراوي أيضاً ثلاثة محافظين آخرين. هم الدكتور عادل إلهامي. واللواء عادل لبيب والمهندس أحمد الليثي.. أما الاول فقد أعاد تخطيط مدينة دمنهور. وكانت له بصمة واضحة فيما أعاد اللواء عادل لبيب تطوير البنية التحتية من خلال تغيير شبكة المياه وأعمدة الاضاءة. وغيرها من الامور التي ارتبطت باسمه. لولا انه لم يستمر طويلا.. أما المهندس أحمد الليثي فكانت له بصمات واضحة. أبرزها تطوير مستشفي دمنهور التعليمي عتاداً وعدداً. وإنشاء محور أحمد الليثي والبدء في إنشاء جامعة دمنهور. إضافة لانجازاته علي صعيد القري والمناطق الجديدة. وكان أهم ما يميزه درايته التامة بالمحافظة. حيث سبق له العمل في مشروعات استصلاح الاراضي خلال الفترة من 1960 وحتي 1978 كما عمل بمديرية التحرير من 1985 إلي 1994. ورئيساً للشركة القابضة للتنمية الزراعية حتي توليه مسئولية محافظة البحيرة في 1999 وقد ظل في منصب المحافظ حتي .2004 وباستثناء هؤلاء. لا تحفظ الذاكرة البحراوية أحداً. ومن تحفظهم من غيرهم فإنما لسوء ما قدموه ولانهم لم يضيفوا جديداً وظلوا عبئاً علي المحافظة حتي رحلوا. وربما هناك بعض المحافظين لايذكر الناس وجوههم لانهم لم يروهم. وفي الوقت الذي يعترف الناس بأن الامكانيات المادية والموازنات لم تساعد الكثيرين علي إضافة جديد. فإنهم يقرون أيضاً ان تواجد المسئول قد يكفيه لنيل رضاهم. لكن غالبية المحافظين يعيشون في أبراج عاجية. البعض في البحيرة. يصفون بلدهم بالمحافظة "التائهة" والتائه لايدري في أي يد يقع. وهكذا البحيرة. تتخطفها الايدي من مسئول إلي آخر. ولكن قلما تكون سعيدة الحظ. فالمسئولون غالباً في واد والناس في واد آخر. وفي الوقت الذي تحاصر المشاكل العاصمة دمنهور فإن القري والعزب في "طي النسيان" وكلما نظر أهل القري والعزب إلي العاصمة ادركوا أن عليهم الانتظار لعشرات السنين لتراهم العين المجردة وفي الوقت الذي يتغني المسئولون في الايام الاخيرة بمنظومة النظافة فإن هناك ميادين للقمامة بالمدينة. أبرزها بجوار شركة المياه. وخلف وحول المعهد الديني. إضافة إلي بؤر أخري للتلوث الذي أخذ كل الاشكال. بصرية وسمعية. ويكفي أن منطقة الاستاد والنادي الاجتماعي والتي تعتبر من أرقي مناطق دمنهور لاتنام بفعل التلوث السمعي الهائل والالعاب النارية في الافراح والتي لا تتوقف علي مدار العام دون حسيب أو رقيب وتوقظ الناس حتي الصباح. ناهيك عن سطو المقاهي علي الشارع العام. رغم الحملات علي أصحابها. وعلي صعيد القطاع الصحي. فالامور "عدمانة" والحال في المستشفيات لا يرضي أحداً سواء في مستشفي دمنهور التعليمي أو في حميات دمنهور رغم الجهود المبذولة والتي تصطدم بواقع الامكانيات بينما في بقية القري هناك مستشفيات لاتعمل منذ عشرات السنين تحت مرأي ومسمع المسئولين.. أما القطاع التعليمي. فيكفي عزوف الطلاب عن المدارس للتدليل علي ما وصل إليه. ووصول الطالب إلي الشهادة الاعدادية يعني أنه أنهي بالفعل المرحلة التعليمية التي عليه ان يذهب فيها إلي المدرسة ويكتفي بعد ذلك بالدروس الخصوصية في البيت لبقية مراحل التعليم. الحال في قري البحيرة أشد قسوة. وبعض البلاد اختلطت فيها مياه الشرب بالصرف الصحي الذي أقامه الاهالي علي نفقتهم بعد ان سئموا الانتظار. ناهيك عن بقية المشاكل. سواء في القطاع الصحي واضطرار الناس للذهاب إلي المدينة عند كل طارئ أو قطاع الشباب والرياضة وعدم وجود مراكز شباب تستوعب الطاقات والقطاع التعليمي الذي تتجسد معاناته في عدم وجود مدارس كافية ومؤهلة لاستيعاب الطلاب واقتصار الدراسة في المرحلة الثانوية علي المدن إضافة لعدم وجود استثمارات بالريف تستوعب الاعداد المطردة من العاطلين وعدم وجود شبكة طرق تربط بين القري وبعضها ما يؤدي لتوقف الحياة في بعض القري والعزب مع دخول فصل الشتاء إضافة للمشاكل المعتادة للفلاحين والتي تمثل عبئاً ثقيلاً علي كاهل أي مسئول لدرجة انهم نفضوا أيديهم من مجرد محاولة العمل علي حلها.