لكل من ضاقت به واستحكمت أهدي قصة صديقي وأخي "حسين محمد عثمان" ابن أسوان الأسمر لعلنا نرضي ونصبر.. ولد في حي شبرا بالقاهرة ولم يَرَ أمه فقد توفيت وعمره سنة ونصف وحين شب عن الطوق بدأ ينزل للشارع ويلعب الكرة مع أولاد الحي.. وعقب انهائه المرحلة الإعدادية توفي والده وبصفته الأخ الأكبر تحمل مسئولية أشقائه الأربعة وراح يتنقل في العمل بين محلات شبرا ومنها محل "ميتشو" الذي استعار منه اسم شهرته.. لم تشغله رعايته لاخوته وسعيه عليهم عن معشوقته كرة القدم التي أثبت مهارة عالية فيها ليجد مكانه بين لاعبي فريق شركة النقل المباشر التي جمعنا العمل فيها وتوطدت صداقاتنا.. وكم كانت فرحتي به حينما تزوج بفتاة شقراء تتمتع بجمال الروح والخلق أنجبت له أربعة أبناء كان كثيرا ما يغيب عنهم بحكم سفره الدائم خارج القاهرة ليشارك في مباريات دوري الشركات وتتولي هي مهمة إدارة شئون البيت كاملا ورعاية الأولاد. وكانت كلما مرت الأعوام زادت ثقة جميع العاملين بالشركة ب "ميتشو" وحبهم له.. هذا الحب كان وراء الدفع به للانتخابات الداخلية وفوزه باكتساح ليصبح رئيسا للجنة النقابية ولاتحاد المساهمين ويحظي بعضوية مجلس الادارة.. وفي الأعوام الأخيرة بدأ صديقي الأسمر يعاني من مضاعفات السكر ليتم بتر أول اصبع بقدمه اليسري تلته باقي الأصابع ثم القدم كلها وحتي أسفل الركبة.. تصاعد دراماتيكي مؤلم جعله يفقد نصف وزنه ومع هذا لم يرفع الراية بل شرع في ارتداء ساق صناعية وعاد ليستأنف في الدفاع عن حقوق العاملين وحل مشكلاتهم. لم تمض شهور حتي تعرضت قدمه اليمني لنفس المضاعفات وانتهي بها الأمر مثلما انتهي بسابقتها!!.. محنة لم تزده سوي عزيمة وإصراراً فلم يتخلف عن وظيفته ودوره النقابي ليحوذ ثقة الزملاء والرؤساء ويتم ترقيته من رئيس قسم إلي مدير فرع وفي تلك الاثناء تعرض لمنعطف جديد مع السكر جعله يفقد ثلاثة أصابع من يده اليسري وكنا نتوقع أن يمضي "ميتشو" في إجازة مفتوحة فالقانون يعطيه الحق في ذلك لكن الفدائي اختار العمل وبحث مشكلات العمال من علي مقعده المتحرك دون أن يشعرنا لحظة أنه يحتاج شيئا فهو يستمد قوته من صلته الشديدة بالله ورعاية زوجته الوفية له. وفي الحقيقة كنت أظن قبل أن يتعرض صديقي لمضاعفات السكر الأخيرة انني الوحيد المبتلي في هذه الدنيا حين فقدت أمي وزوجتي في أقل من عام لكن من يري هموم غيره تهون عليه أحزانه لذا أدعوك وأدعو قراء النافذة إلي الالتفاف حول الكابتن "ميتشو" والتواصل معه فحين تتسع دائرة المحبين والأصدقاء تهدأ كثيرا الجراح وتسكن الآلام وهو ما يحتاجه منا الآن. محمد عبدالكريم إمام رفيق الدرب ** المحررة تدعوني وقراء النافذة للالتفاف حول صديق عمرك الكابتن ميتشو والتواصل معه وفي الحقيقة كم أننا الأحوج لاقترابه منا ليعلمنا كيف لم يغلق عليه بابه حينما نزل به ما نزل؟.. ومن أين أتته القوة التي أعانته علي التسامي فوق كل هذه الجراح والآلام؟! ان الفدائي ميتشو الذي لم يزده المرض سوي عزم وتصميم علي المضي قدما في أداء رسالته في الحياة يشعرنا بحق بمدي ضعفنا وجزعنا في مواجهة الابتلاءات والشدائد.. فهو لم ينظر إلي الجزء الفارغ من الكوب كما يفعل المتشائمون بل تركيزه علي الجزء المملوء بدليل عدم انقطاعه عن العمل رغم كل ما كابده ويكابده. وإذا كانت في الدنيا وبلغة أهل الكرة مكسب وخسارة.. فقد كان مكسب صديقك منها: الزوجة المخلصة لم تتخل عنه في محنته مثلما تفعل أخريات. والأصدقاء الاوفياء وأنت واحد منهم يا كابتن محمد.. وقبل هذا وذاك المنحة التي خصه الله بها حين جعل حوائج زملاء تقضي علي يده. أما الخسارة التي لحقت بصاحبك فهو عجزه عن التعايش مع مرض السكر مع أنه يوصف بالمرض الصديق لقد تركه يصول ويجول داخل جسمه حتي توحش ليسدد في مرماه العديد من الأهداف القاتلة!! وكان عليه الاختيار بين طريقين إما الصبر والرضا أو التذمر والسخط فاتجه للطريق الرابح. وإن كانت من كلمات أهديها اليه فلا أجد أبلغ مما سمعته من تلك السيدة الشابة وهي تشد من أزر شقيقها بعد أن انكمش جسمه كله ولم يعد يظهر منه سوي الرأس تحت وطأة ضمور العضلات قالت: "والله أنت في نعمة يا أخي وينبغي للآخرين ان يحسدوك عليها.. نعمة حالت بينك وبين طريق المعصية وأهلتك بجدارة لنيل جائزة الصابرين والمحتسبين ألا وهي رضا الله والجنة". .. وفي النهاية لا يبقي سوي تذكرة القراء بدعوة الكابتن محمد وهي "كونوا بجوار ميتشو".