هل يمكن أن نصدق أن أغلي ما نملك من آثارنا الإسلامية قد تحول بعضها إلي خرابة ينعق فيها البوم أو مقلب للزبالة والمخلفات أو إلي سوق يباع فيها الكلاب أو إلي جراج للسيارات أو إلي سكن تمتد فيه الحبال كمنشر للغسيل؟. بل إن بعضها لم يسجل بعد كأثر في سجلات وزارة الآثار. ومن المبكي أن تجد منها ما تهدمت جدرانه أو تصدعت قبابه أو غرق في مياه المجاري وأصبح يستغيث بمن ينقذه من براثن الإهمال. هي حالة مخزية ومحزنة تدفعك إلي توجيه علامة الاستفهام إلي د. محمد إبراهيم وزير الآثار ود. صابر عرب وزير الثقافة وهشام زعزوع وزير السياحة وجميعهم يتحملون المسئولية. خاصة في ظل ظروف مجتمعية واقتصادية صعبة تحتاج إلي كل جهد وطني مخلص لتجاوزها. "المساء" قامت بجولة تفقدية لآثارنا الإسلامية التي تتعرض للتدمير والتخريب برفقة الباحث أبوالعلا خليل عضو الجمعيةة المصرية للدراسات التاريخية والباحث في مجال الآثار الإسلامية. وكانت بداية الرحلة عند قبة الكومي وهي الأثر رقم 256 والمعروف بشارع سكة الكومي بالقلعة. أنشأها الأمير محمد أغا بن عبدالله أغا رئيس طائفة كومي ليان في القرن 10 الهجري/16 ميلادي. وتحت القبة يرقد الشيخ سيدي محمد الكومي والقبة تكاد تختفي وسط أطنان من القمامة حتي عرفت بين الناس ب "خرابة الكومي". شهادة دامغة انتقلنا إلي جبانة السيوطي بميدان السيدة عائشة وهي الأثر رقم 297 المعروف بضريح ثنا وسناء وهما سيدتان شريفتان من أولاد سيدي جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وقال السخاوي عنهما في "تحفة الأحباب وبغية الطلاب" إن كل واحدة منهما كانت تختم القرآن الكريم كل ليلة فلما ماتت إحداهما صارت الأخري تقرأ علي اختها ختمة وتهديها في صحيفتها وتدعو لها حتي ماتت.. وفي عام 941 هجري 1535 ميلادي وفي عهد الوالي العثماني خسرو باشا قام الجناب العالي نوروز كيخيا بإعداد مدفن لهما للتبرك بهما وألحق به مقصورة أو ايوان بقصد استخدامه كمسجد للمترددين علي التربة واستراحة للزائرين فعرف المكان أثرياً بإيوان نوروز الحافظي وما أصاب هذا ا لأثر من تدمير يمثل شهادة دامغة للضمير الأثري النائم حيث انهار جزء كبير منه. والمكان هنا هو منطقة الأباجية وفي حضن جبل المقطم يوجد هذا الأثر المعروف بمشهد اخوة نبي الله يوسف عليه السلام "اليسع - وبنيامين - وروبيل" وهو رقم 301 ويرجع تاريخه إلي عام 500 هجري 1106 ميلادي زمن الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله. يقول ابن عثمان في "مرشد الزوار إلي قبور الأبرار": إن رجلا بات في هذا المكان قديماً وقرأ سورة يوسف عليه السلام ونام فرأي قائلاً يقول: هذه والله قصتنا من أعلمك بها؟ . قال القرآن الذي أنزله الله علي نبيه محمد - صلي الله عليه وسلم - فمن أنت قال أنا روبيل أخو يوسف فلما أصبح أخبر الناس بما رأي فبنوا عليه هذا المشهد.. فالمكان مبارك يزار بحسن النية وقد طال الخراب هذا الأثر الفاطمي ولاسيما محرابه الثلاثي أسفل القبة والذي لا يوجد له مثيل في عمارة مصر الإسلامية. حمام الدود ونتوقف أمام حمام الدود بشارع محمد علي وينسب هذا الحمام إلي الأمير سيف الدين الدود الجاشنكير.. والجاشنكير هو من يتولي تذوق الطعام قبل السلطان أو الأمير خشية أن يكون مسموماً. كان الأمير الدود أحد أمراء الملك عز الدين أيبك التركماني الذي تولي سلطة البلاد بزواجه من شجرة الدر عام 648م وعن حمام الدود يقول المقريزي في "الخطط": "وهذا الحمام إلي اليوم - زمن المقريزي في القرن التاسع الهجري - بيد ذرية الدود من قبل بناته موقوفاً عليهم ويدخله الرجال والنساء" واليوم صار حمام الدود خرابة وتاريخاً أهمله التاريخ وبوابة مغلقة تثير الشجن وخرج من قائمة آثارنا الإسلامية. سيدي الأربعين وفي شارع مراسينا بالسيدة زينب نتوقف أمام زاوية سيدي الأربعين وهي قبة ضريحية بائسة سقطت من ذاكرة التاريخ أيضاً وإن كانت تتوسط متحفاً مفتوحاً لآثار شتي من مساجد وأسبلة بطول الشارع إلا أنها وحدها غير مسجلة أثرياً ولا علم لرجال الآثار بها حتي صارت خرابة ومقلب زبالة.. وسيدي الأربعين هو السبب في إطلاق المثل الشعبي "فاكرين تحت القبة شيخ".ونصل إلي قرافة الإمام الشافعي ونتوقف بها عند قبر شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني المتوفي عام 852 هجري الرجل الذي انتهت إليه الرياسة في علم الحديث الشريف في الدنيا بأسرها ولم يكن في عصره حافظ سواه ويقول عنه السيوطي في "حسن المحاضرة": بلغت مصنفاته نحو مائة وخمسين مصنفاً وكان من ألمعها كتاب فتح الباري بشرح البخاري وكانت الناس تتهافت عليه حتي بيع الكتاب بثلاثمائة دينار. والمحزن أن هذا القبر نزعت أبوابه وشبابيكه وصار منه للشارع ويصبح يوم الجمعة يوم سوق الإمام الأسبوعي فيصير زريبة وحظيرة للبهائم ومكان لقضاء الحاجة. وخلف مدرسة السلطان الناصر حسن بميدان القلعة نجد حوش بردق. ذلك الاسم الذي يطلق علي أطلال قصر مهيب أنشأه الأمير سيف الدين قوصون الساقي صهر السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 738 هجري. والقصر يضم سكناً للأمير قوصون وبيوتاً لمماليكه واسطبلات لخيوله ومخازن لمؤنتها وحفظ سروجها. وقد حرف العامة اسم أقبردي إلي بردق فأصبح يعرف بقصر بردق أو حوش بردق ويمثل درة في جبين العمارة الإسلامية ولاسيما وجهته بما تحوي من نقوش وزخارف ونصوص تأسيسية ومقرنصات منقطعة النظير يتعجب بعدها المرء كيف يكون عندنا كل هذا الجمال ونتركه للخراب ونعيق البوم. بير أم السلطان وفي منطقة بير أم السلطان بالبساتين نجد أقدم أثر في عمارة مصر الإسلامية والمعروف أثرياً ب "قناطر مياه أحمد بن طولون" وهو رقم 306. أنشأها أحمد بن طولون عام 259 ه 872م - علي يد المهندس القبطي سعيد بن كاتب الفرغاني وكان الماء يجري بأعلي هذه القناطر لإمداد قصر أحمد بن طولون بميدان صلاح الدين حالياً. الآن نجد به ما يدمي القلب ويجرح الفؤاد. حيث أطنان هائلة من القمامة. وندخل صحن مسجد سيدي مدين الأشموني والمؤرخ أثرياً بعام 870 هجري 1465 ميلادي علي عهد السلطان المملوكي الظاهر جقمق بحارة سيدي مدين المتفرع من شارع باب البحر بباب الشعرية لنجده غارقاً في بركة من مياه المجاري. أما منبره الخشبي المتهالك فحدث ولا حرج وجدرانه المتصدعة وأعمدته المائلة ترشحه بقوة ليلقي مصير سيدي علي الخواص بحارة علي الخواص بباب الشعرية الذي تم هدمه تماماً. التكية السليمانية نتجه أخيراً صحن التكية السليمانية وهي أثر رقم 225 بشارع السروجية ويذكر علي مبارك في الخطط التوفيقية "التكية السليمانية عمرها الأمير سليم الباشا 920 هجري 1543 ميلادي وكان أصلها مدرسة تعرف بمدرسة سليمان باشا ثم صارت تكية وبها خلاوي ومسكونة بالدراويش القادرية وبها ضريح الشيخ رسول القادري وضريح الشيخ إبراهيم التبتل القادري وشعائرها مقامة من ريع أطيانها" الآن صارت التكية السليمانية مأوي لعشرات الأسر يمارسون فيها حياتهم الطبيعية فداخل خلاويها يتناسلون ويطعمون ويغسلون ثيابهم بل ويتشاجرون مع بعضهم البعض وفي صحن التكية يلعب أولادهم وينشرون ثيابهم علي كل لون. وهكذا صار حال آثارنا الإسلامية في الوقت الذي تحتاج فيه بلدنا إلي كل جنيه يدخل كمورد من السياحة.