توقفت كثيراً عند كلماتك وتعجبت من الفكرة التي ظلت تسيطر عليّ وشقيقاتي البنات بعد وفاة أخينا الوحيد في عز شبابه وكيف سعينا نحو زواج والدنا المسن أن يأتي لنا بالشقيق الذي يكون لنا خير عون وسند وما أثار دهشتي وشقيقاتي الثلاث هي الأحداث التي توالت في أعقاب كتابتي إليك برسالتي الثانية والتي كان عليّ موافاتك بها في حينها لكن لم يسعفني الوقت. فمنذ عدة أسابيع تعرض أبونا المسن إلي نكسة صحية شديدة جعلته بين الحياة والموت حتي ظننا بالفعل أنه قد مات لذا لم نفكر في نقله إلي المستشفي وانتظرنا قضاء الله فيه.. في تلك اللحظات انشقت الأرض عن ابن العم الذي جاءنا ليطمئن علي صحة أبينا فأخبرناه بتدهور حالته واننا ننتظر أن يلقي ربه بين لحظة وأخري فجسده أصابه البرودة الشديدة وعيناه زائغتان وأنفاسه تكاد تتوقف. لم يبال ابن عمي بكل هذا الكلام وفوجئنا به يقوم بحمل أبي من فراشه ويسرع بادخاله لأقرب مستشفي قائلا: علينا ان نؤدي كل ما في وسعنا لانقاذ حياته حتي لو لم يتبق له في الدنيا سوي دقائق معدودة! بالفعل دخل والدي العناية المركزة ومر عليه اليوم الأول بسلام وأعقبه الثاني والثالث كل هذا وابن عمي بجواره لم يتركه للحظة.. ولم يمض أسبوع حتي أفاق أبي من أزمته وغادر غرفة العناية بعد أن استرد كثيرا من عافيته ليعود إلي البيت من جديد و.. وأعود أنا وشقيقاتي نتأمل تلك الأحداث المتلاحقة التي جعلتنا نصرف النظر تماما عن فكرة اقناع والدنا المسن بالزواج بمن تأتي له بالولد الذي يعوضنا عن فقدنا لأخينا الوحيد!! لقد شعرنا بأن الله أراد لنا التخلص من هذه الفكرة - التي ظلت تسيطر علينا بعض الوقت - وجعل من أزمة أبي السبيل الذي من خلاله تحقيق لنا الاقتراب أكثر من ابن عمنا والتعرف علي خصاله الطيبة. نعم. تتابعت الأحداث بصورة مذهلة جعلتنا نشعر بأن شقيقنا الوحيد لم يمت.. فها قد ظهر في حياتنا ابن العم الذي قبل أن يكون في منزلة الأخ بحكم القرابة والدم فهو الأكثر - من بين أبناء عمومتنا - شبها لأخينا الراحل. فعذرا يا سيدتي إذا كانت الأفكار قد شطحت بي وشقيقاتي في يوم من الأيام ودفعتنا لمحاصرة والدنا العليل بمثل هذا الطلب الغريب لكنها آلام الفراق حينما تشتد وطأتها وتهيج إلي أن يأذن الله لها بأن تهدأ وتسكن.. إنها رحمة ربي التي جعلتنا ننتبه لوجود هذا "المنسي" في حياتنا الذي ما كان لنا أن نستعيده لولا أن نزل بنا هذا الابتلاء.. وأدركنا الله برحمته. مدام رجاء - القاهرة المحررة: في الرسالة الماضية تحدثت لنا عن سعيك وشقيقاتك من أجل أن يعوضكن الله عن شقيقكن الراحل واختمرت الفكرة لديكن بأن يتزوج الوالد ذو الثمانين عاما ليأتي لكن بالشقيق البديل - إن جاز التعبير - وبصرف النظر عما اشتمل عليه ردي علي رسالتك الأولي والتي كانت بعنوان "الشقيق المنتظر" ونصيحتي لك وشقيقاتك بالتنازل عن هذا الحلم وعدم ملاحقة أبيكن بذاك المطلب الغريب الذي لا يتناسب مع شيخوخته وما إلي ذلك من محاذير. أقول بصرف النظر عن كل هذا فإن رسالتك اليوم حملت إليّ وأعتقد إلي جميع قراء النافذة مفاجأة من العيار الثقيل وهي ظهور هذا الشقيق بالفعل في حياتكن دون الحاجة للالحاح علي والدكن بما فوق طاقته.. وسبحانه من يجعل من بعد الضيق فرجا.. ويخرج من قلب الأزمة التي تعرض لها الوالد ما فيه رحمة المدد والعون فظهر ابن العم ليسارع إلي نجدته أخذاً بالأسباب لعل لا يزال في العمر بقية. شهامة ابن العم التي لم تجمعكن به الظروف من قبل مع ملامحه شديدة الشبه بالشقيق الراحل جعلتكن في دهشة من تتابع الأحداث ليس فقط بخروج الوالد من العناية المركزة وإنما بظهر الشقيق "المنسي" الذي أذهلكن بطيب خصاله.. ووقوفه بجانب عمه بهذا الشكل الرائع النبيل.. لتشعرن معه بأنه "خير عوض" عن الشقيق الراحل بارك الله فيه.. وبارك في عمره. ** ولمن لم يتابع قصة الشقيق المنتظر الرجوع إلي أرشيف "المساء" عبر الإيميل الخاص بالجريدة عدد الأربعاء الموافق 25 ديسمبر .2013