اختلط الدم بالعرق بالدمع بالصمود بالاحلام . في مواجهة العدو الذي يربض علي الجانب الآخر من قناة السويس. فجيشنا الذي أخذ غيلة وعلي حين غرة في يونيه 1967 يصر علي رد اللطمة لطمات. وعلي إذلال العدو الغادر ووضعه في سلة المهزومين مهما دفع جنودنا من أثمان باهظة. هكذا يسرد محمد عبدالله الهادي أحداث مجموعته القصصية "الخيمة والعاصفة" ابتداء من لحظة النكسة وغدر المفاجأة حتي بزوغ شمس النصر في أكتوبر "رمضان" 1973 راصداً الزمان بتفاصيله والمكان بوقعه علي نفوس الجنود المرابطين علي أرض مصر. والعابرين للخط الأسطوري الفاصل.. ولا يغيب البعد الإنساني عن جنود جيشنا العظيم الذي يبث فيهم حب أهلهم وإخوتهم وأبائهم. كما يبث حب الوطن ذاته.. وكذلك ارتباط كل جندي برفيق سلاحه وتقديمه علي نفسه. في لغة شفافة كسائر قصص المجموعة يقول الهادي في صفحة 18: " العبور: طائرات تتهاوي. جنود يعبرون ويكبرون أسري يساقطون برءوس مهوشة الشعر. عربات مسرعة وجنود يلوحون بأيديهم. ماعز شاردة من قطيع بدوي. دماء تتفجر وتسيل وتروي عطش الأرض. رصاصات طائشة وعشوائية هنا وهناك. نعم هو مختلف إنهم مازالوا يندحرون يتقهقرون للخلف. هي نفس الأرض هي نفس الدروب وهم أنفسهم من تقهقروا من قبل: فرس وآشور وهكسوس ورومان. كنا في موقعنا هذا قد خلفنا بعدة كليو مترات المعابر والساتر الرملي.الخط المنيع الذي برزت أحشاؤه وتهاوت نقاطه الحصينة. فصار أضحوكة بعدما مزقته خراطيم المياه.. انفجار رهيب يدوي بعنف سحابه كثيفة من الغبار تتصاعد وتغطي سماء الموقع وتحجب الرؤية لحظة كأنها الدهر تمر. هل هدأت الغارة؟؟ أطل برأسي بحذر..أهتف: "يا بهلول.. ياصموئيل.. ياحضرة الضابط.. ياحضرة الصول يحيي.. ياعنتر". ينقشع الغبار رويداً رويداً يبين الجرم الضخم الذي يهرول.. إنه "بهلول" يحمل "عنتر" علي كتفه. والصول "يحيي" يلاحقه. يسند بساعده عنتر الذي كانت دماؤه تنزف.. أقفز من حفرتي متجهاً صوبهم!.. "عنتر..عنتر..مالك ؟!" مال برأسه ناحيتي واغتصبت شفتاه ابتسامة وهو يقول:" ولا يهمك.. عمر الشقي بقي".. قطرات من دمائه تتساقط علي رأس بهلول.. دمعة من عيني فرت رغم أنفي.