تختلف وجهات النظر فى الفترة الأخيرة بين المُنظرين السياسيين حول وفاء المجلس العسكرى بوعوده بتسليم السلطة بطريقة سلسة إلى حكومة مدنية وبرلمان ورئيس مُنتخبين --- وهناك جدل واسع حول هذا الأمر – بين متشكك فى الأمر و آخر متأكد من وفاءهم بعهودهم --- وعلى الرغم من إنتهاء مراحل الانتخابات البرلمانية فمازال هناك أصوات كثيرة تؤكد أن تسليم السلطة لن يكون بالسهولة المُتصورة وعلى الجانب الأخر نرى أعضاء المجلس العسكرى يؤكدون دائماًعلى إلتزامهم بنقل السلطة حسب الوعود والإلتزامات التى قطعوها على انفسهم ---- ويشعر الكثير من المصريين بنوع من الضبابية وعدم التصديق فيما يتعلق بنقل السلطة ---- ولقد ذَكّرنى هذا الجدل بحكاية بهلول والتاجر : وبهلول هو أبو وهيب بهلول بن عمرو الصيرفي الكوفي، الذى وُلد بالكوفة- بالعراق في زمن هارون الرشيد. و قيل أنّه كان يتظاهر بالجنون ، وذٌكر أن هارون الرشيد كان يسعى في قتل الاِمام الكاظم، ويحتال في ذلك، فأرسل إلى حملة الفتوى يستفتيهم في إباحة دمه متهماً أياه بارادة الخروج عليه، ومنهم البهلول، فخاف من هذا وإستشار الكاظم فأمره بإظهار الجنون ليسلم. و ذُكر في كتاب روضات الجنات : أن الرشيد أراد من بهلول أن يتولى القضاء، فأبى ذلك، وأراد أن يتخلص منه فأظهر الجنون، فلما أصبح تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول: طرقوا خلوا الطريق لا يطأكم فرسي، فقال الناس: جن بهلول، فقال هارون الرشيد : ما جنّ ولكن فر بدينه منا، وبقي على ذلك إلى أن مات. أما قصة بهلول والتاجر فلقد كان بهلول وعلى عادته يمشي يوماً في أزقة بغداد, فلقيه رجل تاجر فقال لبهلول: أريد استشارتك في أمر التجارة .. قال بهلول وكان بيده خيزران ضرب بها كفه الأخرى بهدوء : وما الذي عدل بك عن العقلاء حتى إخترتني دونهم؟ ثم مكث هنيهة فقال : حسناً ما الذي أردت إستشارتي فيه؟؟ قال التاجر : إن عملي التجارة فأردت شراء متاع أحتكره ثم أبعه لمن يدفع لي فيه ثمناً باهظاً . ضحك بهلول حتى بان ضرساه وقال : إن أردت الربح في تجارتك فاشترِ حديداً وفحماً. شكره التاجر على ذلك وإنطلق إلى السوق ثم فكر في كلام بهلول جيداً فرأى أن من الأفضل أن يأخذ بكلامه فإشترى حديداً وفحماً وأودعهما في المخزن حتى مضت عليها مدة مديدة ولا زالا على حاليهما في المخزن ولما إحتاج إلى ثمنهما وكان قد ارتفع تلك الأيام سعرهما, باعهما بأفضل ثمن وربح عليهما ربحاً كثيراً .. وهكذا إغتر التاجر بنفسه وماله غروراً عجيباً حتى لم يكد يُعد للناس وزناً وأخذ يتحدث هنا وهناك عن عقله وذكائه وفطنته. وذات يوم مر التاجر ببهلول لكن التاجر لم يعر هذه المرة بهلول أهمية ولم يشكره على ما أشار عليه سابقاً بل أثار بوجه بهلول الغبار وسخر منه وقال: أيها المجنون ما الذي أشتري وأحتكر ليعود علي بالربح ؟.. ضحك بهلول وقال: إشتر ثوماً وبصلاً وأودعهما في المخزن. خطا التاجر خطوات ثم رجع إلى بهلول وقال بلغة الغرور والعجب: عليك أن تفخر بمشورة تاجر موفق وشهير مثلي إياك .. لم يجبه بهلول بشيء وبهت لجهل التاجر وغروره. رصد التاجر لشراء الثوم والبصل كل ما يملك من أموال وذهب صباح الغد إلى السوق لشرائهما على أمل الربح الكبير ببيعهما. وبعد أشهر مضت على البصل والثوم وهما في المخزن، جاء التاجر وفتح أبواب المخزن وهو لا يعلم ما ينتظره من خسران مبين، فوجد الثوم والبصل قد تعفنا ونتنا, حينها ضرب التاجر بكلتا يديه على أم رأسه وصاح : ياللخيبة ياللخسران.... لم يكن أحد يرغب في شراء مثل هذا البصل والثوم العفنين بل لا بد من رميه في المزابل لأن رائحتهما النتنة انتشرت في كل مكان .. مما أضطر التاجر أن يستأجر عدة نفر ليحملوا هذا المتاع الفاسد إلى خارج المدينة ويدفنوه في الأرض. إمتعض التاجر من بهلول وازداد حمقاً عليه وغضباً لأنه فقد رأس ماله بسبب بهلول، فأخذ يبحث عنه في كل مكان حتى عثر عليه فلما رآه أخذ التاجر بتلابيبه وقال: أيها المجنون ماهذا الذي أشرت به علي لقد أجلستني على بساط الذل والمسكنة .. خلص بهلول نفسه من التاجر وقال: ماذا حدث ؟؟ قص التاجر على بهلول وصوته يرتعش من شدة الغضب مماجرى له . سكت بهلول عن التاجر هنيهة وهو يعلم عم يتحدث التاجر حتى سكت الغضب عنه ثم قال له: لقد إستشرتني أولاً فخاطبتني بخطاب العقلاء فأشرت عليك بما يشيرون ، لكنك لما أردت إستشارتي ثانيةً خاطبتني بخطاب المجانين فأشرت عليك بمشورتهم ، فاعلم إن ضرك ونفعك مخبوئان تحت لسانك إن خيراً فخير وإن شراً فشر. أطرق التاجر إلى الأرض وهو لم يعرف جواباً ، فتركه بهلول وإنصرف عنه . ياتُرى ماالذى فى جعبة المجلس العسكرى ---- حديداً وفحماً أم بصلاً وثوماً ---؟؟ سنرى عندما يُفتح المخزن فى نهاية يونيو القادم.