بعد أن اكتمل عدد المهاجرين من مكة إلي المدينةالمنورة كانت القيم والمباديء الاسلامية هي الأساس لإرساء قواعد الحياة بين أفراد المجتمع لا فرق بين انسان وآخر علي أساس العرق أو اللون أو الدين الكل في ميزان العدالة سواء وكانت آيات القرآن الكريم قد حددت معالم الطريق لكل أبناء هذا المجتمع الوليد في تلك البقعة المباركة من أرض الجزيرة العربية. وفي مقدمة هذه المباديء تقدير واحترام آدمية البشر وقد حسمت تعاليم الله سبحانه وتعالي ذلك في قوله تعالي "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلاً" 70 الاسراء. حرمة البشر مصانة بكل ما تعنيه الكلمة من معان. فقد ضمن الاسلام لأي فرد حريته وأمنه واستقراره. وكانت آية سورة البقرة واضحة في منح الفرد حرية الاعتقاد. قال سبحانه: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها والله سميع عليم" 256 البقرة. وقوله جل شأنه "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها" 29 الكهف. كما أرست تلك المباديء معالم الطريق في العلاقة بين المسلمين وغيرهم وكانت تعليمات الله قاطعةوحاسمة فقد قال للرسول الكريم "ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله ان الله كان غفورا رحيما" 106 النساء. وكانت المباديء واضحة في أن كل امريء وما كسبت يداه لافرق بين فرد وآخر "ومن يكسب إثما فإنما يكسبه علي نفسه وكان الله عليما حكيما" وحذرت آيات القرآن من إلصاق التهم بالأبرياء أيا كانت ديانتهم "ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" 111. 112 النساء كما كانت الحدود في تلك المباديء لها قدسيتها وتقديرها لضبط حركة المجتمع سواء بين أبناء المجتمع أنفسهم أو بين من يبتغي أو يقدم علي عدوان علي أبناء المجتمع المسلم بالمدينةالمنورة. حرمة كل البشر لاعتداء عليها تحت أي مسمي. فها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم يؤكد ذلك في خطبته لتوضيح كل الشئون فيقول: "كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه" أما بالنسبة لغيرالمسلمين فيقول: "وإنه من تبعنا من اليهود فإنه له النصرة والأسوة. غير مظلومين ولا متناصرين عليهم" هذه القواعد الراسخة جعلت مجتمع طيبة الطيبة أمة متماسكة كل يعمل في رحاب تعاليم الله لا ظلم.العدل يسود الجميع. يقف الرسول حين مرت أمامه جنازة يهودي. وحينما سأله بعض الحاضرين انها يا رسول الله جنازة يهودي فيرد بكل ثقة واطمئنان قائلاً: أليست نفساً إنه السياج المتين الذي يشكل مجتمع الطهر والنقاء وفي تلك المنطقة من الجزيرة العربية. في ظلال هذه القيم كانت الأمة تعيش في أمن واستقرار وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم وكذلك باقي أهل الديانات الأخري الا من ظلم وأثم فإنه لا يسأل الا عن نفسه وأهل بيته. وتوثيقاً لذلك كانت هناك صحيفة تم تدوين تلك المباديء بها وأنه لا ظلم لأحد. ومن خرج من المدينة آمن. ومن قعد بها آمن الا من ظلم أو أثم. وأن الله جارمن آمن واتقي وتلك هي الضوابط التي حققت الطمأنينة لأهل المدينة ومن جاورها من البلدان الأخري التابعة لها. ولعل هذه المباديء التي ألقيت الضوء علي بعض الجوانب المشرقة منها وهناك الكثير من القواعد التي تحتاج إلي جهود أهل الفكر والرأي من العلماء لكي يتم وضعها أمام كل القائمين علي شئون المجتمع والأمة. ففي القرن الواحد والعشرين قد أصبح العالم كله بمثابة قرية صغيرة لا يغيب عن أي فرد فيها ما يجري في أي مكان مهما كان نائياً. إذ كل الأمور مكشوفة والحقائق الثابتة لا تخفي علي أحد. ولعل ذوي البصائر والعقول يدركون ذلك فيبادرون بأخذ زمام الأمور ويتخذون من مباديء الاسلام قواعد تحدد مسار الطريق. وتضع أمام الجميع تلك الضوابط والقواعد التي حددها رب العالمين فيتحقق العدل الاجتماعي ويسود التراحم ويتم ضبط الموازين. لا ظلم. ولا أكل للحقوق. علاقات الود والاحترام يعيش الجميع في ظلالها وسطية في كل الشئون. اعتدال دون ميل أو هوي. العمل الجاد والتعاون علي البر والتقوي والسعي في الأرض لكسب الرزق الحلال هو الطريق الأساسي لتحقيق الثراء. ولعلي لا أكون مبالغاً إذا قلت إننا في هذه الأيام في أشد الحاجة للعودة لتلك القيم لأنها تضرب علي أيدي الذين يحاولون تحقيق المكاسب علي حساب الآخرين. وتضع حدا للفساد الذي استشري وتطبق قواعد العدالة علي كل من يحاول المساس بحقوق الآخرين وان مباديء الاسلام تتيح الفرصة لكل من يريد السعي لكسب المال بالطرق المشروعة بعيداً عن الغش والتدليس وقول الزور. وان نقتبس من سلوك هؤلاء الرجال الذين رباهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد بذلوا الجهد. وثابروا.. وكافحوا وحققوا ثروات طائلة دون حجر أو قيود علي تجارتهم لأنهم كانوا يتحرون الحلال ويتلمسون أي وسيلة للوصول إلي المال الحلال فها هو عبدالرحمن بن عوف كان من كبار رجال الأعمال- كما نقول بلغتنا الحاضرة-في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وكانت له أياد بيضاء في التبرع والانفاق في سبيل الله ولعلنا نري سلوك هذا الصحابي الجليل حين جاء إلي المدينةالمنورة مهاجراً وتمت المؤاخاة بينه وبين أخيه من الأنصار وحينما عرض الأنصاري علي عبدالرحمن ان يقتسم معه ماله وممتلكاته رفض في إباء وعفة نفس. وقال له: بارك الله في مالك وممتلكاتك. أريد منك شيئاً واحداً. فسأله الأنصاري ما هو؟ قال عبدالرحمن: أن تدلني علي السوق فأرشده اليه. ولم يدخر جهداً في عرضه علي عبدالرحمن ليس منا وانما بذلاًوعطاء وإيثاراً. أمام هذا الاصرار توجه عبدالرحمن إلي السوق فتاجر واستخدم خبرته في هذه النوع من التجارة.. فباع واشتري واستمر صابراً ومكافحاً يكسب قليلاً ويتحري الحلال واضعاً آيات القرآن الكريم نصب عينيه لا يحيد عنها "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" وقد حقق عبدالرحمن بن عوف ثروة طائلة كانت مثار قوةوفخر للمسلمين أجمعين. وبارك رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك. وحين ألمت بالمسلمين بعض الأمور التي تستدعي التبرع كان عبدالرحمن في مقدمة الصفوف باذلاً ومقدماً خيرة ماله وقد رحب الرسول بذلك. ولو كان الرسول يري أي شبهة في مال عبدالرحمن بن عوف ما قبل منه ذلك التبرع. وها هو عثمان بن عفان كان من الأثرياء وكبار التجار. وقدم الكثير من ماله الذي اكتسبه بالطرق المشروعة. إنها معالم واضحة لإفساد ولا غلو. المصارحة هي أساس التعامل فمن أراد صالح المجتمع فليسترشد بهذه المباديء "وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه" ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد مع دعوات إلي الله في مناسبة مولد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ان يوفق القائمين علي شئون مجتمعنا المصري لما فيه خير البلاد والعباد وطريق الله والعدل هي أفضل الطرق.