كشف تقرير نشرته صحيفة "الجارديان البريطانية", عن تورط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, في أكبر شبكة سرية من التعاملات المصرفية الأجنبية, تضمنت إخفاء وتهريب مبالغ ضخمة وصفقات غسل أموال, وقروض بلغت قيمتها ملياري دولار. وقال التقرير, إن التسريبات تظهر كيف صعد مقربون من بوتين سُلم الثراء الفاحش حتى صاروا من الطبقة المخملية، موضحًا أن الأموال والثروات المسجلة بأسماء أصدقائه كانت متاحة تحت يد بوتين وعائلته للإنفاق. أضاف التقرير, أن التسريبات والسجلات لا تذكر اسم الرئيس الروسي صراحة في أي منها، إلا أن الأسماء المذكورة تدور كلها في فلكه، ما يشي بأنها ما كانت لتحقق مآربها من تكديس الملايين لولا مساعدته ودعمه في الخفاء.. وفقاً للتقرير. وأوضح أن الملفات جزء من تسريبات غير مسبوقة لملايين الأوراق والوثائق من قاعدة بيانات رابع أكبر مكتب محاماة متخصص بمتابعة شؤون المصارف الأجنبية عالمياً والمعروف باسم "موساك فونسيكا" Mossack Fonseca، حيث تبين كيف يستغل الأغنياء والأقوياء أنظمة الضرائب الأجنبية سراً بشتى الطرق. وتسلّط أوراق بنما الضوء على شخص بالذات اسمه سيرغي رولدوغين، صديق بوتين المقرّب، الذي كان قد عرّفه على ليودميلا، المرأة التي تزوجها بوتين لاحقاً، كما أن رولدوغين هو في الوقت ذاته عراب ابنة بوتين الكبرى ماريا.
وعلى ما يبدو فقد جمع رولدوغين العازف الموسيقي المحترف ثروة طائلة، خاصة أنه يتولى إدارة عدة أصول وممتلكات متعددة لا تقل قيمتها عن 100 مليون دولار كحد أدنى, والأرجح أن الاختيار وقع على رولدوغين للاضطلاع بهذا الدور, نظراً لأنه ليس شخصية تثير الشبهات أو أنظار المراقبين. وكشفت الملفات صراحة أن لصديق بوتين الحميم هذا حصة مقدارها 12.5% من أسهم أكبر وكالة إعلانات تلفزيونية في روسيا تدعى "Video International"، التي يزيد ريع عائداتها السنوية على 113.7 مليار دولار أميركي، وهي حصة كانت ملكيتها في السابق سراً متكتماً عليه. وإضافة إلى ذلك فقد عُرِضَ على رولدوغين سراً أن يشتري حصة أسهم صغيرة في شركة "Kamaz" الروسية التي تصنع الشاحنات والعربات العسكرية للجيش، كما أنه يملك نسبة 15% من شركة مسجلة في قبرص تدعى "Raytar". ولا تنتهي سلسلة الممتلكات هنا، بل يملك العازف نسبة 3.2% من "بنك روسيا"، وهو بنك خاص في سانت بطرسبرغ لطالما وُصِفَ بأنه "بنك بوتين الحبيب"، وفقاً للتقرير، وقد فرضت الولاياتالمتحدة الأميركية عقوبات على هذا البنك بعد الاحتلال الروسي لأوكرانيا عام 2014. وتشكل هذه الأصول جزءاً من شبكة تعاملات مالية ذات صلة، كشفت الوثائق أنها جميعها متعلقة ببنك روسيا هذا. البنك يترأسه يوري كوفالتشوك الذي تزعم أميركا أنه "الصرّاف الشخصي" لعدة مسؤولين حكوميين روس كبار منهم بوتين. وتفضح أوراق بنما أن كوفالتشوك وبنكه "بنك روسيا" أجريا عملية تحويل أموال لا تقل عن مليار دولار إلى حساب مؤسسة أجنبية خاصة تدعى "Sandalwood Continental". وقد جاءت هذه المبالغ من سلسلة قروض ضخمة غير مؤمنة مصدرها البنك التجاري الروسي "RCB" الذي تديره الدولة ومقره قبرص، فضلاً عن بنوك ومصارف حكومية أخرى. وما من تفسير في الملفات للسبب الذي دفع بكل هذه البنوك للموافقة على منح كل هذه المبالغ الاعتمادية وإنشاء شبكة خطوط غير مألوفة لتسهيل تمريرها وتحويلها. حتى أن بعض المبالغ النقدية التي مصدرها بنك "RCB" أعيد إقراضُها إلى جهات محلية في روسيا بنسب فائدة ربوية كبيرة جداً، ومن ثم جرى تحويل الأرباح المجنية وتصريفها إلى حسابات سرية في سويسرا. كما كُشِف أن مبالغ نقدية قد سُلّمت مباشرة إلى دائرة بوتين على شكل قروض ميسّرة رخيصة جداً هذه المرة وبلا ضمانات وبنسب فائدة ربوية زهيدة جداً تبلغ 1%، وليس واضحاً إن كانت هذه القروض قد سددت أم لا. وكانت Sandalwood قد قدمت 3 قروض بلغت قيمتها 11.3 مليون دولار بين عامي 2010 و2011 لشركة أجنبية تدعى Ozon وهي المالكة لمنتجع تزلج إيجورا الباهظ والواقع في إقليم ليننجراد, وتعود ملكية شركة "أوزون" لكوالتشوك نفسه بالمشاركة مع شركة قبرصية, ويعد بوتين أحد أهم رعاة هذا المنتجع وأكبر نزلائه.
وبعد 18 شهراً من القروض أقام بوتين عُرس ابنته كاترينا في منتجع إيجورا حين زوجها بكيريل شامالوف ابن أحد أصدقائه القدامى من سانت بطرسبرغ، ولم تظهر أخبار مراسيم الزواج التي غابت ومنعت عنها عدسات الكاميرات إلا عام 2015. السجلات تكشف عن عدد من المناورات الأخرى التي تقوم بها دوائر بوتين لنقل الأموال إلى خارج البلاد. لا يوجد ما هو غير قانوني في الاستعانة بالشركات الأجنبية. ومع ذلك، تتضمن المعاملات التجارية صفقات أسهم مزيفة، حيث يتم تداول الأسهم بأثر رجعي، ورسوم بملايين الدولارات مقابل تقديم خدمات استشارية غامضة وتكرار سداد مبالغ هائلة تعويضاً عن إلغاء صفقات الأسهم المزعومة. واستمرت التكهنات بشأن حجم ثروة بوتين الشخصية على مدار عقد من الزمن، في أعقاب صدور تقارير عام 2007 بشأن وصول ثروته إلى 40 مليار دولار، استناداً إلى تسريبات من أشخاص يعملون داخل إدارته الرئاسية. وفي 2010، أشارت البرقيات الدبلوماسية الأميركية إلى أن بوتين يحتفظ بثروته من خلال وكلاء. وأضافت أن الرئيس الروسي لا يمتلك شيئاً بصفة رسمية، ولكنه يستطيع الاستفادة من ثروات أصدقائه، الذين يسيطرون حالياً على كل إنتاج النفط والغاز الروسي وكافة الموارد الصناعية.. وفقاً لما نقله التقرير.