فى الستينيات قامت الانقلابات العسكرية فى عدد من الدول العربية تحت لافتة من "أجل فلسطين".. وصودرت الحريات العامة، وسيق المناضلون الوطنيون إلى المعتقلات وأعواد المشانق.. تحت لافتة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" .. واليوم.. بات "الشغب" وإهانة الجيش والتحريض عليه وإعاقة التحول الديمقراطى.. "كبائر سياسية" ترتكب تحت لافتة "القصاص لشهداء الثورة" لم يعد مطلب "نقل السلطة للمدنيين".. مغريًا لمحترفى الشغب السياسى.. بعد أن مرت الانتخابات البرلمانية بمراحلها الثلاثة بأمان.. وبعد أن بات فى مصر أول شرعية حقيقية يوم 23 يناير.. وأُعلن رسميًا عن فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية فى منتصف أبريل القادم.. فلم يعد ثمة "سند" لأية شرعية موازية إلا إثارة القلاقل المعيشية، والتى كان آخرها، افتعال أزمة الوقود، لضمها إلى أزمات أقل موروثة عن نظام مبارك، مثل البطالة وغلاء الأسعار وما شابه.. وهى كلها ملفات من الطبيعى أن تظل معلقة إلى أن تُسلم من الحكومة المؤقتة إلى الحكومة المنتخبة.. فيما يظل ملف "شهداء الثورة" هو الأبرز فى جملة المطالب التى تستخدم اليوم للحشد والتعبئة والتحريض خاصة فى فضائيات الفلول والتى يتردد بأنها أُسست إما من أموال مبارك المهربة وإما كقناة من قنوات "غسل الأموال". لم تعد ثمة "ورقة" للتلاعب بها من قبل مثيرى الشغب السياسى على فضائيات مبارك.. إلا ورقة الشهداء.. وعلى طريقة "يقتل القتيل ويمشى فى جنازته".. فإذا تتبعنا تصريحات قادة "الترويع الإعلامى" كل ليلة فلن نجد مبررًا للتحريض على العنف ضد الدولة واستضافة نشطاء "قليلى الأدب" تتقاذف البذاءة والوقاحة من أفواههم إلا تحت لافتة "القصاص" للشهداء.. وهى كلمة حق فعلا ولكن يراد بها الباطل لذاته. وتكاد تأخذنا الدهشة كل مأخذ، لعلم السلطات المصرية، بمدى التوسع فى ظاهرة "التربح" الإعلامى والسياسى، من وراء ملف الشهداء.. فيما تظل إجراءات تحريكه "محلك سر" أو بطيئة فى أكثر الأحوال. أعلم أن المسألة تتعلق بإجراءات التقاضى فى مصر.. وأن الملف فى يد مؤسسة العدالة، وربما تكون الأدلة غير كافية، ولعل ذلك ما أفضى إلى إطلاق سراح رجل الأعمال "إبراهيم فرج" المتهم فى قتل شهداء السويس، قبل أن يأمر وزير الداخلية باعتقاله، بعد تجدد الاحتجاجات بالسويس، تهدئةً للرأى العام الغاضب. ثمة شكوك فى أن جهات بالدولة تتحفظ بمعلومات بشأن المتهمين بقتل الشهداء.. ولا تريد التعاون مع المحكمة ل"أسباب أمنية" كما تدعى.. ولعل هذا الكلام تردد أثناء نظر قضية الرئيس السابق ووزير داخليته الحبيب العادلى مؤخرًا، وإذا صحت هذه المعلومات فإن قدرًا من ظاهرة الشغب السياسى المتنامى الآن يظل جزءًا من أزمة تصنعها السلطات الحالية، أيا كانت مبرراتها.. وفى تقديرى فإن الملف سيظل معلقًا إلى أن تستلمه حكومة منتخبة تملك التفويض الشعبى ولا تجامل أحدًا على حساب الأمن القومى والمُثل الوطنية العليا. [email protected]