عندما تطالب قيادة حقوقية كبيرة فى المجلس الاستشارى بتعليق المشانق فى الشوارع وتأسيس محاكم ثورية لمحاكمة مبارك.. فإن ذلك يدعو فعلا للفزع. فالمشانق إذا نُصبت، فلن "تُفك" بعد شنق آخر رجال النظام السابق.. بل ستظل "معلقة" وربما يساق إليها كل من اختلف مع ميدان التحرير.. حتى لو كان فارسًا من فرسان الثورة. المسألة هنا تشبه السكوت على قمع المتظاهرين والاستخدام المفرط للقوة ضدهم.. ربما تشهد المواجهات قدرًا من العنف والتطرف والتعدى على القانون فعلا من قبل المتظاهرين.. وربما يرى البعض وتحت يافتة "هيبة الدولة" أن تلجأ السلطات إلى "الحق" فى استخدام ما يسمى ب "العنف" الشرعى.. وهى رؤية قد تبدو متسقة مع سيادة القانون، غير أنها بالغة الخطورة فى الفترة الانتقالية، وقبل إعادة بناء مؤسسات الدولة الدستورية والديمقراطية.. إذ يظل فى تلك الفترة السكوت على استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين تحت أى اسم أو مبرر، أو أى غطاء شعبى أو سياسى، مغريًا للتوسع فى استخدامه ضد الجميع بمن فيهم المعارضة السلمية، وخارج نطاق القانون أيضًا. أعلم أن الفترة السابقة بدت وكأن ثمة قصد فى طى ملفات فساد مبارك وعائلته ورجاله، إذ لم نسمع منذ شهور عن استئناف المحاكمات والتى توقفت بشكل لافتٍ، ولا ندرى ما إذا كان هذا "التوقف" أو هذا "التعليق" يرجع إلى إجراءات التقاضى الطبيعية والتى يشوبها فى مصر قدر مستفز من التباطؤ، أم لأسباب أخرى تتعلق بالقرار السياسى. المجلس العسكرى أعلن أكثر من مرة أن محاكمات النظام السابق، متروكة لقرار مؤسسة العدالة، وأنه أى العسكرى يتحسس من الكلام فى ذلك الشأن حتى لا يفسر بأنه تدخل من المجلس والذى يمثل "السلطة التنفيذة" فى شؤون السلطة القضائية.. غير أنه من نافلة القول هنا، إن قرار إحالة الرئيس السابق ونجليه ورجاله إلى النيابة العامة كان فى أصله قرارًا سياسيًا صادرًا من المجلس العسكرى، وليس قرارًا قضائيًا.. فيما يظل ملف المحاكمات ماسًا بصدقية المجلس من جهة ونزاهة القضاء المصرى من جهة أخرى.. وبمعنى آخر، فإن المسؤولية هنا "مسؤولية مشتركة" والتنسيق بينهما مسألة مفصلية لتهدئة الرأى العام، وفى بيئة أمنية شديدة الاضطراب وأجواء عامة باتت تتشكك فى كل شىء: فى المجلس العسكرى.. وفى القضاء أيضًا. وفى تقديرى أن على المجلس العسكرى التخلى عن "حساسيته" تلك وأن يبحث عن طريقة ما للتواصل مع مؤسسة العدالة على نحو يفعل دورها فى إنهاء هذا الملف وبشكل عاجلٍ.. دون اللجؤ إلى خيار المحاكمات الاستثنائية والثورية.. لأنها فى النهاية ليست عنوانًا للثورة التى جاءت من أجل إرساء دولة القانون.. وإنما هى استدعاء من تراث النظم السياسية الدموية التى باتت تتآكل فى العصر الحديث. [email protected]