هل يمكن أن يتوقع المراقب _ من خلال التداعيات الأخيرة لعاصفة ( عكاشة ) _ أن ثمة موجة هائلة من تسونامي التطبيع الدافيء مع الربيبة المدللة ( إسرائيل ) , قادمة بقوة غير مسبوقة ؟! و هل نتوقع أن يسعى البعض من الخلايا المتصهينة الناشطة التي تنتشر بيننا الآن كالفطر لتقديم الاعتذارات الرقيقة ل ( تل أبيب ) , تكفيرا عن خطيئة الحذاء ( الناصري ) الشهير الذي طار تحت قبة البرلمان ليطال نائب ( نبروة ) الذي قابل السفير الإسرائيلي , لتنفجر التداعيات اللاحقة بصورة درامية ؟! و هل كان صحيحا ما ذكره , مؤخرا , ( ألون ليفين ) وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية : ( إن هناك الآن دوائر كثيرة في مصر , حريصة على إبراز دفء العلاقات ) ( أكرر هنا إبراز الأمر لا مجرد الاكتفاء بحدوثه ! ) ثمة مؤشرات كثيرة كاشفة , أبرزها إشارة موقع ( همكور ) الإسرائيلي إلى أن ( حاييم كورين ) أجرى مقابلات ( كثيرة ) مع صحفيين مصريين بدرجة غير مسبوقة بين البلدين . و المتابع لأصداء الإعلام الإسرائيلي و ردات فعله , بإزاء التطورات الأخيرة التي تلت فصل ( النائب المطبع ) , سيلاحظ أن منابر إعلامية متعددة في إسرائيل , سارعت إلى إماطة اللثام عن جوانب حميمة من العلاقة المركبة المتداخلة , ربما من باب السعي الحثيث لتوريط ( القاهرة ) أكثر فأكثر , لتسوخ قدماها تماما و تنغرس في الفخاخ على نحو لا يمكن التراجع معه ! فقد أكد المراسلان الإسرائيليان للقناة العاشرة بالتليفزيون الإسرائيلي ( حازي سمنتوف ) و ( تسفي يحزكيل ) أن ( ناتنياهو ) يهاتف المسؤولين المصريين بواقع مرتين في الشهر بصورة نمطية معتادة ! فيما مضى الصحفي الإسرائيلي النشيط ( أمير تيفون ) إلى إشهار ما يشبه التحدي , مؤكدا ان اللجوء لإحصاء عدد المكالمات الهاتفية _ في الفترة الأخيرة _ بين المسؤولين في البلدين , يمكن أن يسبب إحراجا كبيرا للقاهرة ! و مرارا ألمحنا _ في اعقاب 25 يناير _ إلى أن إسرائيل ليست متابعا صامتا لما يدور , و إن ما بدا من الصمت ( الظاهري ) شكليا من قبل ( تل أبيب ) بإزاء انطلاق الموجات الثورية المتتابعة في مصر , هو خديعة جرى تصميمها باحترافية كاملة لتظهر معها إسرائيل عذراء خجولا تنظر من وراء الأستار , فيما كانت غرف القرار في إسرائيل تعمل دون كلل كخلايا النحل , لصد الموجات الثورية المصرية المنحدرة بسرعة هائلة و تكسيرها تدريجيا فضلا عن امتصاص تداعياتها , بما يقتضيه ذلك من تحريك خيوط المشهد المصري بأذرعها المتغلغلة الكثيرة , سعيا لإيقاف المسار الديمقراطي و الحيلولة بين الشعب المصري و بين صناعة القرار السياسي و الاقتصادي الكبير بإرادة منفردة , و هو ما لا يمكن أن تسمح به إسرائيل و من خلفها الكتل الاستعمارية المساندة ! و حين جهرنا بذلك في حينه مضى البعض من نخبتنا المبجلة يهز كتفيه ساخرا مرددا ببرود : ( لا تبالغوا في الأمور وفق الخيال العربي الجامح , و لا تسبحوا بسذاجة مع وهم ( البروتوكولات ) , فالدولة العبرية في النهاية ليست أكثر من كيان يتاخمنا من الحدود الشرقية , فلا تعطوه أكبر من حجمه الطبيعي ! ) و حين تكشفت أدوار ( نتانياهو ) في الأعوام الثلاثة الأخيرة فيما يتصل بالشأن المصري _ في خضم التلاسن الحاد بين الفرقاء في موضوع ( عكاشة ) _ التزم ( الحكماء المبجلون ) بصمت القبور ! و بدا تماما أن صنبور التطبيع مهيأ للضخ الكثيف حين بادر الكابتن ( عزمي مجاهد ) , المتحدث الرسمي لاتحاد كرة القدم المصري , ليعلن عن ( عدم وجود ممانعة من لعب المباريات في إسرائيل ! ) و هو التصريح الأول من نوعه في المجال الرياضي , معللا ذلك بأنه سبق ل ( النني ) و ( صلاح ) اللعب في ( تل أبيب ) دون أن ينهد العالم ! و التقطت السفارة الإسرائيلية الإشارة سريعا , و مضت تعلن على صفحتها على ( الفيسبوك ) عن حفاوتها بتصريحات ( مجاهد ) مؤكدة أنه آن الأوان لأن ( نكسرحاجز الخوف و حاجز النشوز ...) !! و ليس لدي شبهة من الشك في أن من صاغ بيان السفارة كان يعي جيدا الإيحاءات اللغوية الدافئة لكلمة ( النشوز ) التي لا تستخدم في العادة إلا للحديث عن علاقات الزوجين و الزوجية ؟! و أن السفير المبجل كان يعي أن لكلمة ( النشوز ) إيحاءات محددة في الثقافة الشرعية للمصريين ! و ليس في الأمر مجال للتخمين ففي أدبيات التغطية الإعلامية الإسرائيلية للعلاقات بين البلدين يشيع بصورة كبيرة استخدام مفردات الحياة الزوجية ! و ليس بعيدا عن هذا ما كتبه ( جاكي حوجي ) محرر الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي , حين تحدث في موقع ( مونيتور ) عما أسماه ( العشق الممنوع ) ! و عقب الرجل دون حياء بالقول : ( ..فحياة المعشوقة مستقرة و هادئة , و قد اعتادت على الملاطفات و الهدايا التي يقدمها لها الحبيبة , لكنها من ناحية أخرى تشتاق للخروج إلى أكبر ميدان بالمدينة و الصياح بأعلى صوتها لتكشف عن سر هذه العلاقة ! ...) و كان الرجل يتحدث عن عدم دعوة إسرائيل لحفل تفريعة القناة الجديدة ! فبالله عليكم هل هذه لغة ( مقال تحليلي سياسي ) أم أن ( حوجي ) أراد توظيف المغمز الساخر و تصديره للحس الوطني المصري , محتذيا بخطوات ( كورين ) عن منحى ( النشوز ) ؟! و الذي تابع خطاب الطالب المصري ( هيثم حسنين ) في حفل تخرجه في جامعة ( تل أبيب ) في أغسطس من العام الماضي و سخريته أمام العشرات الذين اكتظت بهم قاعة الجامعة من تحذير أمه له من السفر إلى قاتلي جدوده , يثق أن قاطرة التطبيع تصل إلى محطة فاصلة ! و بوضوح نقول _ بعيدا عن أية مزايدات _ لكل من يفكر في مصر في خرافة ( الصدر الإسرائيلي الحنون ) , إن تل أبيب يا سادة تتهيأ الآن لضربتها الكبرى لقلب مصر , فلا تضيعوا أوقاتنا و أوقاتكم في مهاترات لفظية و راجعوا جيدا تحليلات ( إيهود يعاري ) حول ( سيناء ) قبل أشهر , فالكنيست هذه المرة يتهيأ ليشرب الأنخاب على شرف الانتصار الجديد الذي يبدأ من منابع النيل ! اللهم بلغت ..اللهم فاشهد !