لأول مرة منذ انتخابات برلمان 2010، تظهر اللجان على شاشات الفضائيات فارغة، لا يوجد بها ناخبون، رغم حجم الدعوات الإعلامية، فضلا على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل الانتخابات المواطنين للمشاركة البرلمانية، في كلمته متلفزة وجه فيها دعوته للمصريين قائلاً: "أدعو جميع المصريين للنزول إلى لجان الاقتراع والاحتشاد بقوة مرة أخرى لتنفيذ استحقاقنا الأخير"، مضيفاً: "احتشدوا من أجل الوطن واحتفلوا باختيار ممثليكم وأحسنوا اختيارهم. اصطفوا أمام لجان الانتخابات وازرعوا بأصواتكم الأمل فى غد مشرق". إلا أن تلك الدعوات لم تلق آذانًا صاغية، ويبدو أن بعض الأحزاب المعارضة، نجحت في إقناع المواطنين لمقاطعة الانتخابات البرلمانية، رغم ضعفها، حيث دعى حزب مصر القوية، جماهير الشعب المصري لمقاطعة الانتخابات احتجاجا على إصرار السلطة المتمثلة في مؤسسة الرئاسة على قتل الحياة السياسية وإسقاط مقومات الدولة الحديثة من خلال تفصيل القوانين وترهيب المعارضين وانحياز أجهزة الدولة لقوائم ومرشحين بهدف إنتاج برلمان متماهِ مع السلطة التنفيذية عبر إقامة انتخابات صورية تختار بين مؤيد ومؤيد. وعزت الأحزاب عزوف المواطنين عن المشاركة الانتخابية، إلى سياسية النظام الحالي تجاه المواطن وعدم تنفيذ الوعود الوردية التي أطلقها السيسي خلال دعايته لانتخابات الرئاسية، وعلى العكس من ذلك تدهور الحالة الاقتصادية وغلاء الأسعار، إضافة إلى اعتقال آلاف من شباب الثورة وتشويهم وتوجيه التهم لهم بشكل عشوائي، عوضًا على قانون الانتخابات المغضوب عليه من بعض الأحزاب التي رأت أنه يقتل الحياة الحزبية في مصر، فضلا على المعارضة المزيفة التي يشكلها النظام الحالي، وعودة النظام القديم رغم جرائمه في حق الشعب المصري. وكان من بين الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها حزب مصر القوية وحزب التيار الشعبي والدستور ومصر الحرية والعدل والعيش والحرية. وتدعيمًا لذلك المشهد الحالي فإن استطلاع رأى أمريكي أجراه "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني" نشر حديثا، فإن ثلث المصريين يؤيدون جماعة الإخوان المسلمين، والمصنفة على أنها جماعة إرهابية بحسب الحكومة المصرية. وقال محمود عمر، أمين عام حزب مصر القوية بحلوان، إن المشهد الحالي من عزوف المصريين على المشاركة في الانتخابات البرلمانية، هو مشهد متوقع بناء على شواهد سابقة، مؤكدًا أنه حصيلة ما قدمه النظام خلال العامين الماضيين، مشيرًا إلى أن النظام هدفه الأكبر أن المصري يفقد قيمته داخل بلده، مما أدي إلى عودة المواطنين إلى ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير كمتفرج للأوضاع السياسية ومقاطعته لها. وأضاف أمين عام حزب مصر القوية ل"المصريون"، أن ممارسات النظام الحالي منذ سيطرته لم تخلق معارضة حقيقية، وأن ما يصدره النظام على أنه معارضة ما هي إلا معارضة شكلية لا تملك رصيدا في الشارع المصري، لافتًا إلى أن المشهد السياسى الحالي يتلخص أمام قائمة ساويرس والتي يدعمها النظام، وقائمة النور والتي تواجه حربًا شرسة، مشددًا على أن كل ذلك لن يمنع النظام أن يعلن نسبة بأن المشاركة الانتخابية كسرت الحاجز التصويتي، وذلك على عكس الواقع والمقاطعة الحاصلة من المصريين للانتخابات. ورأى عمر، أن النظام الحالي، لم يكن له شرعية إلا شرعية الوجود بالقوة العسكرية، مشيرًا إلى أن الاستحقاق الانتخابي الأخير هو جزء من مسرحية يفتعلها النظام بعد الانتخابات الرئاسية، معتبرا أن تلك الانتخابات هي إجراءات شكلية، موضحًا أن البرلمان القادم دوره يقتصر في تمرير القوانين التي يرتضيها النظام، مضيفا، البرلمان القادم لن يستطيع أن يحاسب وكيل وزارة، وذلك رغم دوره بحسب الدستور على محاسبه النظام و عزل الرئيس. وتابع، وسائل الإعلام ظلت تنادي الشباب بأن يشارك الانتخابات البرلمانية، ودعوة السيسي للشباب بأن يشارك، داعيًا السيسي إلى الإفراج عن الشباب لكي يشاركوا في الانتخابات البرلمانية، متسائلا كيف لعائلة معتقل أحد شبابها وينتظر حكما بالإعدام أو المؤبد أن يستجيبوا لدعوات المشاركة في الانتخابات؟ وعن إمكانية توحد الأحزاب المقاطعة خلال الفترة القادمة، أكد أن المجال السياسي منغلق، حيث إن كل من ينطق بما لا يرتضيه النظام يواجه تهم الإرهاب حسب قانون الإرهاب الصادر حديثا، معربا في الوقت ذاته على تجمع تلك القوى ضمن نطاق واحد لكي يشكلوا معارضة حقيقية للنظام. ورأى السفير معصوم مرزوق القيادي في حزب التيار الشعبي، أن المواطنين لم يحتاجوا لدعوة لمقاطعة الانتخابات، مشيرا إلى أن بعض الناس تراهن خطأ أن الشعب المصري غير واع، بالتالي أن ما حدث رسالة قوية من الشعب بأنه هذا الشعب لن يخدع مرة أخرى مشددا على أن زمن الخداع انتهى. وتابع مرزوق، الجموع الساحقة من الشعب المصري تغسل يدها اليوم تماما من تلك السياسة، مشيرا إلى أن مقدمات اليوم تتفق مع ما حدث في 2010، متوقعا أنه بناء على ذلك فإن النتائج ستكون متشابهة، مضيفا "وهو ما حذرنا منه خلال الفترة الماضية". وأوضح القيادي في حزب التيار الشعبي، أن الحزب حذر سابقا من قانون مجلس النواب، وأن ما فعلته الحكومة من إقرارها النظام الحالي للانتخابات البرلمانية لم تشهده أى بلد في العالم باستثناء الفاشي موسليني في إيطاليا قبل ذلك. وتابع ساخرًا، يبدو أن تحسن العلاقات المصرية الإيطالية وتقاربها ساهمت في إقرار قانون إيطالي بشأن الانتخابات البرلمانية المصرية، مؤكدًا أن هذا النظام الانتخابي مخالف للمادة الخامسة من الدستور، معتبرًا ذلك القانون بمثابة إعدام للأحزاب السياسية، إضافة إلى أنه يجفف الحياة السياسية في مصر، و هو ما أدى إلى عزوف حزب الكنبة عن الانتخابات فضلا على أن عودة النظام القديم و خوضه للعملية الانتخابية ساهمت أيضا في مقاطعة المصريين للانتخابات، مشيرًا إلى المناخ العام الحالي يعود بنا ليوم 24 يناير 2011. وأضاف، كما أن الحملة المجنونة التي تحاول تشويه ثورة 25 يناير وشهدائها وتشويه شباب مصر الذي كان لهم السبق في الدعوة للثورة واعتقالهم، أدى إلى عدم استجابة الشباب لأى استحقاق انتخابى بسبب فقد الثقة في النظام الحالي، بالإضافة إلى أن الوعود الوردية التي أطلقتها الرئاسة وانتظار المواطنين تحقيقها، رغم أن الأوضاع السياسية تنتقل من سيئ إلى أسوأ، لافتا إلى أن النظام فقد مصداقيته لدي الناس. ودعا مرزوق، النظام الحالي أن يتفهم الرسالة التي أوصلها الشعب عبر عزوفه عن المشاركة، مؤكدًا أن الوقت لم يفت بعد ولكن على النظام أن يراجع نفسه لأن تاريخ الشعب المصري دائما يعطى رسالة تحذيرية وبعدها بخطوة يثور على الأخضر واليابس، معربًا عن أمله أن يتفهم من في السلطة رسالة الشعب قبل ثورة لا تحمد عقباها.