النظام الانتخابي الجديد مزعج ومعقد وستظهر عدم ملائمته للبيئة السياسية المصرية في كل جولة من جولات الانتخابات الثلاث. فقد لا يتمكن كثير من الناخبين من التصويت بسلاسة ويسر. المواطن المصري لم يتمرن على هذه "الربكة" بأن يجد أمامه عددا من القوائم ليختار منها قائمة واحدة، وعددا من المرشحين الفرديين ليختار اثنين منهم. التصويت سيكون "لوغاريتم" لكثير من الناخبين خصوصا للمواطنين البسطاء وهم الأكثرية، وقد لا يصوت كثير منهم لعجزهم عن فهم هذا اللوغاريتم. حتى المتعلمين فإنهم في حيرة أيضا من كيفية التصويت بدون أخطاء، ولذلك يتداولون على الفيسبوك إرشادات للتصويت السليم. ومن المدهش أن سياسيا ورئيسا لحزب مثل د. محمد أبو الغار يقول مستغربا إنه لأول مرة يسمع أن الناخب عليه أن يختار في الفردي مرشحين دون النظر للصفة أي فئات، وعمال وفلاحين، فإذا كان هذا هو حال أبو الغار فما بالنا بحال ملايين المصريين غير المسيسين. كانت هناك تجربة سابقة شبيهه تمزج بين القائمة والفردي، وقد قضت المحكمة الدستورية ببطلان الانتخابات لعدم دستورية القانون الذي ظلم المرشحين الفرديين حيث لم يساوي بينهم وبين مرشحي القوائم، فالدوائر اتسعت عليهم، وأتصور أن القانون الذي تجري على أساسه الانتخابات الحالية مازال يظلم المرشح الفردي فقد اتسعت عليه الدائرة أيضا، وصار عليه أن يمتلك طائرة ليجوب بها، ويمتلك بنكا لينفق منه على الدعاية والمؤتمرات والإغراءات والرشاوى التي يقدمها لسكان الدائرة وللشيوخ والعمد ورؤوس العائلات ومفاتيح الأصوات وأصحاب المقاهي والبلطجية وغيرهم من تجار الانتخابات. ترشح الفلول ساهم في إشعال تجارة الانتخابات .. فهم يملكون الثروة والخبرة في شراء الأصوات والضمائر، وهي معركة مصيرية بالنسبة لهم حيث فازوا في جولة أولى مهمة وهي سماح القضاء لهم باستمرارهم في الترشح، ورغم صدور قانون إفساد الحياة السياسية فإن إجراءات تفعليه لمنعهم من مواصلة الترشح طويلة ومعقدة، وبالتالي فإنهم سيربحون الجولة الثانية وهي الانتخابات، وفوزهم بعدد كبير من المقاعد هو بعث جديد لهم وللزمن الذي نشأوا سياسيا في ظله، وستكون هذه ردة كبرى للثورة. في رأيي أنه كان من الأفضل أن تجرى الانتخابات على النمط القديم أي الدوائر الفردية، فهذا النظام هو الصالح للطبيعة المصرية، وذلك حتى يتم تدريب المصريين على فكرة الأحزاب والقوائم والبرامج، وحتى يرتفع الوعي الانتخابي بكيفية التصويت والاختيار، وهذا كان سيحدث عندما تستقر الأوضاع ويحصل الانتقال السلمي للسلطة وتكون الأحزاب الجديدة قد استقرت وبنت قواعد لها وتعرف عليها المصريون، وإذا كانت هناك تخوفات من أن إجراء الانتخابات بهذه الطريقة عقب الثورة سيتيح للفلول ورأس المال شراء الأصوات فإن هذا التخوف يتحقق الآن فعلا مع النظام الانتخابي الجديد، فالفلول مرشحون ورأس المال نشيط وفرصهم أوسع من مرشحي الأحزاب الثورية لأنهم يملكون أدوات التأثير على إرادة الناخبين. أما الشباب فلا يملكون شيئا، فهم عجزوا عن الدفع بعدد مناسب من القوائم أو المرشحين الفرديين، بينما الفلول رشحوا بسهولة عددا كبيرا. الحل الوحيد لقطع الطريق على الفلول كان إصدار قانون إفساد الحياة السياسية مبكرا متضمنا آلية منعهم من الترشح، فهذا القانون كان سيجعل بيئة الانتخابات نظيفة منهم ومن تأثير رأس المال التابع لهم لدخول البرلمان والمشاركة بوضع الدستور وصياغة مستقبل مصر بعد الثورة. هنيئا للفلول. [email protected]