يجتمع اليوم بالقاهرة وزراء الخارجية العرب في مؤتمرهم الطارئ لمناقشة الأوضاع المأساوية في سوريا وما تمخضت عنه المبادرة العربية التي قدمت إلى نظام بشار الأسد فرصة أسبوعين من أجل حقن دماء السوريين وقف آلة القتل اليومي المروعة ، والحقيقة أن وتيرة القتل تزايدت وتسارعت بعد إعلان المبادرة العربية حتى تشكك كثيرون عما إذا كانت هذه المبادرة مجرد إفساح المزيد من الوقت أمام بشار من أجل محاولة كسر شوكة الشعب السوري وترويعه حتى وقف انتفاضته التي تبحث عن الحرية والكرامة . هل كانت المبادرة العربية نوعا من التواطؤ مع نظام بشار ، أم أنها مجرد تبرئة للعرب من مآلات ستحدث لنظامه في المرحلة المقبلة وإخلاء للمسؤولية عما يحدث ، هذا بالتأكيد ما سوف تكشف عنه الأيام المقبلة وما يكشف عن بعض ملامحه اجتماع اليوم ونتائجه ، وكانت المعارضة الوطنية السورية قد التقت رئيس اللجنة العربية أمس وعرضت عليه مطالبها ، وأهمها ثلاث نقاط : تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية لحرمان بشار ونظامه من غطاء الدعم العربي وهو يقتل شعبه دون أن يعبأ بصرخات العالم كله من حوله لوقف حمام الدم ، والنقطة الثانية طرد سفراء بشار الأسد من العواصم العربية بوصفهم ممثلين لنظام غير شرعي يرتكب جرائم ضد الإنسانية في حق شعبه ، والثالثة الاعتراف بالمجلس الوطني السوري المعارض كممثل شرعي للشعب السوري . قلت في هذه الزاوية وما زلت أؤكد بأن نظام بشار الأسد ، مثله مثل النظم القمعية والدموية الأخرى التي سقطت في تونس وليبيا ومصر ، نظم غير قابلة للإصلاح أساسا ، هي منظومة متماسكة من القمع والاستبداد والاستباحة والهيمنة الأمنية والفساد المالي والسياسي والإعلامي ، إما أن تكسر كلها وتزال كلها وإما أن تبقى كلها ، أما أن يجري عليها تعديل أو إصلاح أو ترميم فهذا مستحيل ، طبيعتها الذاتية لا تقبل ذلك ، وهذا ما يفهمه بشار نفسه وأركان نظامه ، لذلك لا يتوقفون عن ممارسة عمليات القتل اليومي للشعب السوري في مختلف المدن ، واستخدام الدبابات والمدفعية الثقيلة في قصف المدن ، وهذا ما يفهمه أيضا كبديهة الشعب السوري نفسه ، من خلال خبرته بذلك النظام الدموي الفاسد منذ عهد حافظ الأب وصولا إلى بشار الإبن ، والعالم الغربي أيضا يدرك هذه الحقيقة ، والمشكلة أن الجامعة العربية لا تفهم ، أو أنها تبدي أنها لا تفهم ، وأنها ما زالت تأمل في أن يقتنع بشار الأسد بضرورة إجراء إصلاحات . مساعد وزير الخارجية الأمريكي قال أول أمس أمام إحدى لجان الكونجرس أن غالبية الدول العربية التي استطلعت الولاياتالمتحدة رأيها أكدوا أن نظام بشار الأسد قد انتهى عمليا ، وأن المسألة مسألة وقت ، وأضاف الرجل بأن بعض العواصم العربية لم يسمها عرضت أن تقدم ملاذا آمنا لبشار وأركان نظامه إذا قرر الاكتفاء بهذا القدر من القتل ، وقرر الخروج الآمن من سوريا ، والحقيقة أنه خارج عن التصور أن يقبل العالم ببقاء ديكتاتور قاتل بهذه الوحشية بعد كل الجرائم التي ارتكبها ، ولذلك فمن المؤكد أن حقبة الظلام والدم والاستبداد والاستباحة التي خيمت على سوريا قرابة أربعين عاما هي في طريقها إلى الزوال . عندما يتأمل الإنسان في نماذج الحكام العرب يشعر بالعار ، في بعض الدول الأخرى يقدم رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء استقالته إذا تسبب بطريق الخطأ في وفاة عدد من المواطنين ، دون أن يقصد ، وفي بلادنا يصبح الحاكم ويمسي وهو يتسلى بقتل نساء شعبه وأطفاهم ورجالهم كبرنامج يومي ، ويستطيع أن ينام على جماجم هؤلاء الضحايا . [email protected]