محاولات جادّة تبحث عن سبل إعادة البريق إلى قطاع السياحة في كوت ديفوار، لدرء الهنات التي لحقت به في أعقاب الأزمة السياسية التي هزّت البلاد في 2010. توجّه يرمي إلى تجاوز هشاشة القطاع عبر تشييد المركّبات السياحية وتكوين وتدريب الموارد البشرية، وتهيئة الأرضية لاستقطاب السياح، عبر استثمار الكمّ المتواضع من المواقع المنتشرة في هذا الجانب أو ذاك من البلاد. تلك هي التوليفة التي ترتكز عليها مقاربة الجذب السياحي في كوت ديفوار، بحثا عن سياح يعدّون بالملايين، وتستقطبهم ملامح الجمال تماما كما البؤس. سنوات عجاف وأدت بوادر انتعاشة القطاع السياحي في البلاد قبيل الأزمة السياحية التي شهدتها في 2010، ومع أنّ عملية الرجوع، ومحاولة تجاوز الأزمة تتطلّب الكثير من الوقت ومن الجهد، إلاّ أنّ الحيثيات على الأرض تنبئ بأنّ عملية الانتعاش ممكنة على المدى المتوسّط، خصوصا وأنّ الحكومة شرعت في استحداث الفنادق الفخمة، وتدريب كوادرها المتخصّصة في السياحة في الخارج. عناصر من شأنها أن تهيأ الأرضية الملائمة لاستعادة ملامح قطاع مكتمل الأركان. غير أنّ السؤال الذي يطرح نفسه كلما وقع التطرّق إلى هذا الموضوع هو: هل أنّ السياحة الإيفوارية في طريقها فعلا نحو الانتعاش؟ الخبير السياحي الإيفواري "ديزيريه كامينان" أكّد للأناضول، أنّه "من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لسبب بسيط، ألا وهو أنّ كوت ديفوار لم تعتمد بعد أدوات عمل حقيقية تمكّن من تقييم دور القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني". فإن كانت السياحة في كوت ديفوار تعدّ إحدى ركائز الاقتصاد، وتساهم بنسبة 7 % في الناتج المحلّي الإجمالي، وتدرّ من 18 إلى 20 % من الإيرادات السنوية للبلاد بالعملة الصعبة، فإنّ القطاع نفسه "لم تتجاوز مداخيله طيلة العام 2011 ال 50 مليار فرنك افريقي (111 مليون دولار) في كوت ديفوار، كما لم يتعدّى عدد الوافدين على البلاد من السياح ال 276 ألفا، وفقا ل "ديوان السياحة الإيفواري" (حكومي). أرقام هزيلة، بحسب الدكتور "سيرافين براوو ياوو" أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن واتارا بمدينة بواكيه الإيفوارية، كان لابدّ وأن تنعكس على مساهمة السياحة في الناتج الإجمالي المحلّي بنسبة لا تزيد على ال 0.44 %". وفي سياق متصل، أضاف الخبير "كامينان" أنّ قطاع الفندقة كان يعدّ، في 2012، حوالي ألف و100 مؤسّسة، فيما قدّر عدد الغرف المتاحة ب 21 ألف، بطاقة استيعاب إجمالية تصل إلى 44 ألف سرير، بيد أنّ الإشكال يكمن على مستوى المعايير أو وسائل الراحة اللازمة لاستقبال السياح الأجانب، والتي لا تتوفّر سوى في أقل من نصف عدد المؤسسات الفندقية الموجودة، أي أقل من 500 مؤسسة فندقية". أما في عام 2010، فقد ناهز معدّل الإشغال ال 30 % مقابل 32 إلى 70 % خلال الفترة الفاصلة بين سنتي 1993 و2003. معطيات تعكس عمق الصعوبات والإشكالات التي تواجهها الفنادق الإيفوارية. وإلى جانب تواضع البنية التحتية في مجال السياحة، فإنّ العديد من شركات الطيران الأوروبية علّقت رحلاتها نحو كوت ديفوار إبّان الأزمة السياسية والاجتماعية التي اجتاحت كوت ديفوار في 2010، وكان لذلك الأثر السلبي في تراجع عدد المسافرين، والذي بلغ ذروته بين عامي 2000 و2010. وبالنسبة للخبير الإيفواري في مجال السياحة، فإنّ "البلاد بدأت تسترجع ثقة الزوّار حول العالم، كما أنّ عدد القادمين إلى البلاد بلغ 962 ألف في 2012، أي بارتفاع قدره 50 % مقارنة ب 2011، بينما استأنفت شركات الطيران الأوروبية رحلاتها نحو كوت ديفوار، عقب استقرار الوضع السياسي فيها". وإلى جانب ذلك، تضمّ كوت ديفوار مواقع عديدة منتشرة في مناطق مختلفة، تشكّل معالم سياحية تتفاوت أهميتها، غير أنّها تلتقي جميعها في قدرتها على استقطاب السياح وإغرائهم بسبر أغوارها واكتشاف أسرارها. ومع أنّ بعض هذه المواقع تقف شاهدة على حقبة بائسة عاشها السكان، أو أحداث دامية حزينة، إلاّ أنّها تلقى إقبالا كبيرا للسبب ذاته، بينما تحتكر كلّ من غابة "بانكو" الواقعة غرب العاصمة الاقتصادية أبيدجان، وغابة "تاي"، المدرجتان بلائحة التراث العالمي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وعجائب كورهوغو، إعجاب السواد الأعظم من زوار البلاد. ولتسجيل عودتها إلى الساحة الدولية، شاركت كوت ديفوار، من الرابع إلى 11 مارس/ آذار 2013، في فعاليات الدورة 47 للصالون المهني في برلين بألمانيا. كما نظّمت، من 14 إلى 17 من الشهر نفسه، بأبيدجان، الصالون الدولي للسياحة. وتمتلك كوت ديفوار شريطا ساحليا تصطف على جوانبه أشجار جوز الهند على طول أكثر من 500 كم. وبالنظر إلى جمال شواطئها، والتنوّع الحيواني البحري، تتوفّر لكوت ديفوار جميع العناصر اللازمة لإرضاء الوافدين عليها بغرض السياحة أو المغرمين بالصيد والتزلّج المائي، بحسب "كامينان". معطيات تبشّر بمستقبل مشرق لقطاع واعد رغم كمّ الصعوبات التي تشوب مسار نهضته.