رغم قرار إسرائيل تجميد تحويل العائد الشهري من أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، والمقدرة بنحو 125 مليون دولار, إلا أن هذا لم ينل من إصرار الفلسطينيين على المضي قدما في خطوات الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية. نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات قوله في 3 يناير :"إن قرار إسرائيل يعد جريمة حرب أخرى، ولن نتنازل أمام الضغوط الإسرائيلية"، بينما أكد نمر حماد المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لا تراجع عن طريق الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية. وكانت وكالة "أسوشيتد برس" ذكرت في 3 يناير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرر بالتشاور مع وزرائه تجميد التحويل الشهري المقرر 500 مليون شيكل إسرائيلي (حوالي 125 مليون دولار), والذي يعتمد عليه الفلسطينيون لإدارة حكومتهم, ودفع رواتب الموظفين. وجاء هذا الإجراء بعدما هددت إسرائيل في 2 يناير بمقاضاة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومسئولين فلسطينيين آخرين, بعد توقيعه وثيقة الانضمام للجنائية الدولية. وقال نتنياهو في بيان له في 2 يناير :"إن الخطوات الأحادية الجانب التي تتخذها السلطة الفلسطينية في الأممالمتحدة ستعرض قادتها لإجراءات قضائية بسبب تأييدهم لحركة حماس, التي تعتبرها إسرائيل جماعة إرهابية". وبدورها, هددت وزارة الخارجية الأمريكية أيضا بفرض عقوبات مالية على السلطة الفلسطينية, ردًّا على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، ونقلت وكالة "رويترز" عن مسئول كبير في الوزارة :"إنه ليس مفاجئًا أنه ستكون هناك تداعيات للخطوة الفلسطينية". وتقدم واشنطن نحو أربعمائة مليون دولار سنويا في شكل معونات اقتصادية للفلسطينيين, وينص القانون الأميركي على قطع هذه المعونة, إذا استخدم الفلسطينيون عضوية المحكمة الجنائية الدولية, في إقامة دعاوى قضائية ضد إسرائيل. وعلقت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية على هذا التهديد, قائلة في افتتاحيتها في 3 يناير إن الفلسطينيين يواجهون ضغوطا إسرائيلية وأمريكية، خاصة أن انضمامهم للجنائية الدولية يمكّنهم من توجيه التهم إلى إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في حربها على قطاع غزة. وأضافت الصحيفة أن الفلسطينيين يدفعون ثمن هذه الخطوة, بعد التلويح الأمريكي بقطع المساعدات عنهم. وتساءلت "وول ستريت جورنال" ما إذا كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيقدم على قطع المساعدات الفلسطينية، وأضافت أن الإجراءات الفلسطينية لنقل قضيتهم للمحافل الدولية تساعد في حشد المزيد من الناخبين الإسرائيليين نحو المرشحين المتشددين في الانتخابات المقررة في مارس القادم. وأشارت إلى أنه لا يمكن للقادة الفلسطينيين استخدام ضغوط دولية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة ما لم تحظ إسرائيل في المقابل, بتنازلات تحفظ أمنها وحقها في الوجود. ومن جانبها, نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا للكاتب روجر كوهين في 3 يناير قال فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مكث في السلطة تسع سنوات دون إصدار قرار واحد مهم. وأضاف الكاتب أن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بحاجة إلى قادة يمكنهم اتخاذ القرارات الحاسمة، وأن البديل عن حل الدولتين هو الكارثة. وكان عباس وقع في 31 ديسمبر على اتفاقية الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية, وعدد من الاتفاقيات الدولية الأخرى، في خطوة من شأنها أن تمهد السبيل أمام المحكمة للنظر في جرائم يتهم الفلسطينيون إسرائيل بارتكابها، لا سيما خلال العدوان الأخير على غزة. ويأتي توقيع عباس على الاتفاقيات بعد يوم من رفض مجلس الأمن الدولي في 30 ديسمبر مشروع قرار عربي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في غضون عامين, وإقامة دولة فلسطينية. ويرى خبراء قانونيون أن الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية, لن يؤدي لملاحقة قادة فصائل المقاومة, الذين يميز القانون الدولي بين مقاومتهم وبين جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي. وقال مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ورئيس مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان راجي الصوراني في تصريحات لقناة "الجزيرة" إنّه "لا خوف على قادة فصائل المقاومة من الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف "القانون بيد الفلسطينيين، باعتبار حق مقاومة الاحتلال كفلته كافة المواثيق الدولية، وفي المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هناك نص صريح وواضح على حق الشعوب في تقرير مصيرها، أي في مقاومة الاحتلال بكل أشكال النضال السلمية والعسكرية". وأشار الصوراني إلى أن إسرائيل ارتكبت في حربها الأخيرة "جرائم ضد الإنسانية"، مما يرقى إلى درجة "جرائم حرب"، في وقت لم تمس المقاومة الفلسطينية أي أهداف مدنيّة إسرائيلية. وأكد أن "المقاوم في نظر محكمة العدل الدولية شخص مدني، على اعتبار أنه يقاوم الاحتلال، وهو ما تؤكده كافة النصوص والمواثيق الدولية". وفي السياق ذاته, قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده إنّ الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية لن يعني بأي حال معاقبة قادة المقاومة. وأضاف عبده في تصريحات لقناة "الجزيرة" أنه إذا تمت مقاضاة قوى المقاومة الفلسطينية على جرائم مفترضة بحق مدنيين إسرائيليين، وإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق من يثبت بحقه الفعل مباشرة، فإنه لن يعني بأي حال معاقبتهم. وتابع "لا يمكن قانونيًا معاقبة قادة المقاومة على حقهم في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل، وهو الحق المكفول دولياً". وبدوره، قال رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني النائب محمد فرج الغول ل"الجزيرة" أيضا إنّه لا يمكن المقارنة بين دور المقاومة في الدفاع عن نفسها، وبين جرائم الإسرائيليين المتكررة بحق الفلسطينيين. وأضاف "لا مجال للمقارنة بين من يدافع عن أرضه وبين محتل معتدٍ على الآمنين في بيوتهم، وقوانين المحكمة الدولية تكفل لكل الشعوب حق الدفاع عن نفسها أمام أي احتلال". وتابع الغول "حتى لو كان هناك خوف من تسييس المحكمة، ومطالبة محاكمة قادة المقاومة، فالقانون إلى جانبنا، الحرب الأخيرة كانت نموذجا واضحا لما ارتكبته إسرائيل من جرائم، والمقاومة كانت في حالة دفاع". وكانت إسرائيل شنت حربا على قطاع غزة في يوليو الماضي, واستمرت ل51 يوما، وأسفرت عن استشهاد أكثر من ألفي فلسطيني وإصابة أكثر من 11 ألف، بحسب بيانات رسمية فلسطينية. في حين أفادت بيانات رسمية إسرائيلية بمقتل 68 عسكريا وأربعة مدنيين إسرائيليين, وعامل أجنبي واحد، إضافة إلى إصابة 2522, بينهم 740 عسكريا