في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالثورات العربية، ومستجدات الشرق الأوسط وتداعيات الديون السيادية بأوروبا، يدور في الطرف الجنوبي الشرقي من الأرض صراع بارد بين قوة قديمة وأخرى ناشئة تسعى بهدوء لإعادة رسم موازين القوى العالمية. ويتلخص هذا الصراع البارد -بحسب وصف تقرير معهد ستراتفور للدراسات الاستخباراتية- في أن الولاياتالمتحدة بدأت بالفعل تعيد تشكيل سياستها الدفاعية على خلفية النزاع الحدودي القائم بين الصين والفلبين على جزر سبراتلي في بحر الصين الجنوبي. إذ سجلت الأقمار الصناعية الأميركية في العشرين من مايو/أيار الجاري -قبل زيارة وزير الدفاع الصيني للفلبين- قيام مقاتلات صينية بالتحليق فوق جزر سبراتلي التي تعتبر جزءا من الأراضي الفلبينية. ويذكر المعهد أن الخلاف على نسبة الجزر وهويتها القومية لا ينحصر بين الصين والفلبين فقط، بل يتعداهما إلى دول أخرى مثل ماليزيا وفيتنام، باعتبار أن السيطرة على هذه الجزر كانت منذ عقود هدفا رئيسيا للتحكم في مسارات الملاحة البحرية. النفط والغاز بيد أن الأمر بات أكثر أهمية من السابق بعد اكتشاف مكامن غنية بالموارد المعدنية في قاع المياه المحيطة بالجزر لا سيما من النفط والغاز، الأمر الذي جعل هذه البقعة من العالم موقعا إستراتيجياً يستقطب عداوة إقليمية حادة بين أربع دول دفعة واحدة. ولعل من الأسباب الرئيسية التي جعلت قضية جزر سبراتلي مسألة إستراتيجية تهم الولاياتالمتحدة أيضا أنها كانت ولا تزال السبب الرئيسي وراء تهافت الفلبين على التسلح من مصادر متعددة، بما فيها الولاياتالمتحدة وعلى نحو يعطي انطباعا بأن المسألة مرشحة للتصاعد والتأزم في مرحلة مقبلة. ويقول معهد ستراتفور إنه من هذا المنطلق بدأت واشنطن تعيد تشكيل سياستها الدفاعية في هذه المنطقة من العالم التي تحسب من الأجزاء التي تخدم مصالحها الإستراتيجية في القارة الآسيوية لعدة اعتبارات، أهمها التحالف الأمني والعسكري القائم منذ زمن بين واشنطن ومانيلا. الموقف الأميركي صحيح أن الولاياتالمتحدة -يتابع تقرير ستراتفور- لم تتخذ خطوة واضحة حيال الصين على خلفية نزاعها مع الفلبين حول جزر سبراتلي، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يبقى الأمر على ما هو عليه خلال السنوات المقبلة، لأن ذلك من شأنه أن يعطي حلفاء واشنطن انطباعا يوحي بأن الأخيرة ليست في وارد المواجهة من أجلهم، وهذا من شأنه أن يهز مصداقية الولاياتالمتحدة إقليميا على الأقل. وفي نفس الوقت، يشير معهد ستراتفور إلى أن الفلبين تدرك تماما أن عليها السير بحذر في اتجاه الصراع على جزر سبراتلي، لأن الصين قوة إقليمية كبرى وقوة اقتصادية عالمية ناشئة تسعى لتوسيع نطاق نفوذها السياسي، بعد أن حققت تقدما اقتصاديا كبيرا على المستوى العالمي في السنوات الأخيرة. كما يرى التقرير أن واشنطن -سواء كانت الفلبين هي من تستدرجها للتدخل في قضية جزر سبراتلي، أو كانت الإدارة الأميركية هي من تسعى للتحدث مع ماليزيا وفيتنام بهذا الشأن- باتت مقتنعة بأن هذا النزاع يدخل في إطار الأمن الإقليمي في بحر الصين الجنوبي، وبالتالي يتقاطع بشكل مباشر مع المصالح الإستراتيجية الأميركية في هذه المنطقة التي تطل على مسارات شحنات النفط القادمة من الخليج.