مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تبدو منطقة شرق آسيا الممتدة من بحر اليابان حتي بحر الصين الجنوبي وتضم كلا من شبه الجزيرة الكورية واليابان والصين في حالة من عدم الاستقرار والتوتر نتيجة تنامي التنافس والصراع بين الولاياتالمتحدة والصين. الأمر الذي دفع عددا من المراقبين إلي القول إن حربا باردة جديدة قد نشبت بين هذين العملاقين في العام الماضي مشيرين إلي أن العام الجديد2011 والذي يطلق عليه عام الأرنب وفق التقويم الصيني سيكون في الغالب عاما ساخنا بكل المقاييس من أجل محاولة حسم هذه الحرب لصالح واشنطن أو بكين. السخونة المتوقعة للحرب الباردة الجديدة في عام الأرنب ستكون مصدرا للانزعاج الشديد بين قادة آسيا من طوكيو إلي نيودلهي ومن سول إلي جاكرتا ومن بيونج يانج إلي مانيلا خاصة إذا ما قرر قادة الصين تجاهل نصيحة دينج زياوبينج المفكر والسياسي الصيني الشهير بأن تعمل بكين علي' تمويه طموحاتها وإخفاء مخالبها' وإذا ما قررت الإدارة الأمريكية الحالية تطبيق سياسة الاحتواء الجديدة التي اقترحها المفكر الأمريكي زبيجينو بريجينسكي في كتابه الشهير' رقعة الشطرنج الكبري' والذي أكد فيه علي ضرورة احتواء الصين بسلسلة من الأحلاف لمنعها من تهديد الهيمنة الأمريكية علي منطقة اوراسيا التي يعيش فيها75 في المائة من سكان العالم وتمتلك اكثر من60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي وحوالي ثلاثة ارباع مصادر الطاقة العالمية ومعظم الأسلحة النووية في العالم. ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما لا تبدو أنها ستميل إلي مهادنة تنامي النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني في شرق آسيا خلال عام الأرنب لأن ذلك قد يهدد وضعها كقوة مهيمنة ومسيطرة علي الساحة العالمية كما انه قد يهدد أيضا تحالفها الأمني والاستراتيجي مع اليابان وكوريا الجنوبية في وقت تتصاعد فيه المطالبة الشعبية والرسمية أحيانا بتصفية القواعد العسكرية الأمريكية في البلدين لما تمثله من أعباء مالية وسياسية باهظة. ومن جهة أخري يبدو أن بكين قد أصبحت راغبة في تغيير توازن القوي القائم في شرق آسيا لخلق وضع جديد يسمح لها بالهيمنة علي هذه المنطقة التي تمتعت فيها تاريخيا بنفوذ ثقافي وحضاري كبير. ومما سيشجع قادة الصين علي ذلك في عام2011 عوامل متعددة منها استمرار تورط واشنطن في المستنقعين الأفغاني والعراقي والتداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية وتزايد القدرات الاقتصادية الصينية بعد أن اصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم. الحرب الباردة الجديدة بين واشنطنوبكين أدت إلي تحول منطقة شرق آسيا إلي' بحر من المشاكل' في العام الماضي نتيجة صفقات السلاح والتصريحات النارية والمناورات العسكرية الصاخبة وأحيانا الاشتباكات المحدودة بين حلفاء البلدين في المنطقة. الشرارة الأولي في هذه الحرب انطلقت في رأي عدد من المراقبين الذين التقت بهم الاهرام في طوكيو في بداية عام2010 عندما قررت ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما بيع اسلحة متطورة إلي تايوان قيمتها6.5 بليون دولار في محاولة منها لتحسين أوضاع صناعة السلاح الأمريكية في ظل الأزمة الاقتصادية الشديدة التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي منذ الازمة المالية العالمية في منتصف عام2008. وكان الدافع الأساسي لهذه الصفقة هو تقارير استخباراتية أمريكية افادت بأن الصين علي وشك شن هجوم للسيطرة علي تايوان خلال عام. وقد نظر قادة بكين لهذه الصفقة باعتبارها محاولة امريكية لفصل تايوان عن الصين من أجل إحتواء الأخيرة وعزلها عن العالم مما يمثل تهديدا شديدا للأمن القومي الصيني. وفي شبه الجزيرة الكورية ظهرت ملامح الحرب الباردة الجديدة طوال العام الماضي بوضوح عندما تصاعدت حدة المواجهة بين كوريا الشمالية ومن ورائها بكين وبين كوريا الجنوبية ومن خلفها واشنطن عقب اتهام سول لجارتها الشمالية بإغراق مدمرتها تشيونان في مارس الماضي مما اسفر عن مقتل46 بحارا كوريا جنوبيا. ومن أجل توجيه رسالة تحذير قوية للصين لعدم محاولة زعزعة الأوضاع الحالية في المنطقة وردع كوريا الشمالية عن القيام بأية أعمال عدوانية في المستقبل أجرت الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية أضخم مناورات عسكرية مشتركة في تاريخهما في البحر الأصفر في نهاية شهر نوفمبر الماضي بمشاركة حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة جورج واشنطن رغم معارضة الصين الواضحة والعلنية لهذه المناورات. وبعد ذلك بأيام قليلة زاد لهيب المناورات العسكرية في شرق آسيا عندما دخلت قوات الدفاع الذاتي اليابانية في أكبر مناورات عسكرية مشتركة علي الإطلاق مع الولاياتالمتحدة لمدة ثمانية أيام في بداية شهر ديسمبر2010. وهي المناورات التي شارك فيها للمرة الأولي ضباط من كوريا الجنوبية لإظهار التضامن والتنسيق بين الدول الثلاث في التعامل مع كوريا الشمالية وحليفتها الأولي الصين. وعلي الصعيد الدبلوماسي رفضت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما المبادرة الصينية لإستئناف المفاوضات السداسية الرامية لحل أزمة البرامج النووية والصاروخية لدي كوريا الشمالية. بل أن واشنطن ذهبت خطوة أبعد حيث اتهمت قادة الصين بأنهم' يساعدون' كوريا الشمالية علي تطوير برنامجهم لتخصيب اليورانيوم وشن الهجمات العسكرية علي كوريا الجنوبية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن ربما تحتاج إلي إنشاء' حلف مضاد للصين' في منطقة شرق آسيا لأن سلوكيات بكين المهادنة تشجع قادة كوريا الشمالية علي التمادي في تصرفاتهم الاستفزازية. ومن ناحية اخري يبدو أن أجواء الحرب الباردة الجديدة في شرق آسيا ساعدت علي تفجر التوتر من جديد بين الصين واليابان بشأن الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي بعد إصطدام قارب صيد صيني بسفينتين لخفر السواحل اليابانية. كما امتد' بحر المشاكل' الناجم من طوفان الحرب الباردة الجديدة للنزاعات الاقليمية حول السيادة علي جزر باركلي وسبارتلي في بحر الصين الجنوبي بين الصين من جهة وكل من فيتنام والفلبين واندونيسيا وماليزيا من ناحية أخري خاصة بعد ان دعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون دول آسيان العشر ومن بينها الدول الأربع السالفة الذكر إلي ضرورة تحديد توجهاتها المستقبلية إما مع واشنطن أو بكين. علي أية حال يمكن القول إن الحرب الباردة الجديدة بين واشنطنوبكين في شرق آسيا ستزداد سخونة في عام2011 وأن نتيجة هذه الحرب سترسم مستقبل العالم في القرن الحادي والعشرين كما أنها ستؤثر بلا شك علي القضايا الساخنة في الشرق الأوسط. وهو الأمر الذي سوف نحرص علي متابعته في عام الأرنب.