حدد المجلس الأعلى للقوات المسلحة السبت القادم 19/3/2010 موعدا للاستفتاء على تعديل الدستور، هذا التعديل الذي تم إسناده للجنة لا يشك عادل محايد في مهنيتها وأخلاقها برئاسة الفقيه القانوني المستشار طارق البشري، وقد توصلت تلك اللجنة إلى عدد من التعديلات الأساسية التي تتناسب مع تلك المرحلة الانتقالية، أو مرحلة الأزمة التي تعيشها مصر وتحتاج إلى رؤية تدريجية واضحة المعالم للخروج منها. وقد وضح المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتوافق مع الدكتور عصام شرف –رئيس الوزراء- ملامح إدارته لتلك الأزمة، من خلال إجراء الاستفتاء الخاص بتلك التعديلات الدستورية، وفتح المجال -بعد الموافقة عليها- لحرية تكوين الأحزاب بالإخطار، وإجراء إنتخابات برلمانية ثم رئاسية. ومنذ إسناد التعديلات الدستورية للجنة الموقرة لم نسمع صوتا ولاهمسا من أحد، حتى إذا ما تم الإعلان عن تلك التعديلات وجدنا أصواتا عالية ونفوس مشككة واختلافات ظاهرة. والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية وإذا كانت الثورة جمعت أنماطا شتى فإن الإختلاف أمر وارد وطبيعي. ولكن هذا الإختلاف ينبغي أن يكون في إطاره الصحيح بأن يتعاون أفراده فيما اتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه ، وأن يغلبوا مصالح البلاد على المصالح الفئوية والشخصية. ورغم ما كشفته الأيام الماضية عن ظهور آراء عقلانية ومنطقية ومهنية بخصوص التعديلات الدستورية إلا أننا وجدنا في المقابل طابورا من المتفيقهين الذين لا يعجبهم العجب ، فسكتوا دهرا ونطقوا زوزرا وبهتانا، فمن عجائب منطقهم أن الاستفتاء في الوقت الحالي سيؤدي إلى ميلاد مجلس شعب يسيطر عليه الإخوان والحزب الوطني وهم بذلك يقزمون من أنفسهم سواء أكانوا يدرون ذلك أم لا يدرون!!. وهم بذلك أيضا يحكمون على أنفسهم بعدم الوجود أو القبول في الشارع المصري، وأنهم لا تاريخ لهم ولا جغرافيا لوجودهم ، ومع ذلك فإن من أعجب عجائب أفعالهم أنهم يريدون أن يفرضوا وصايتهم على هذا الشارع الذي هو وحده صاحب الحق في اختيار من يريده!!. إن هؤلاء بهذه السياسة الانتهازية لا يختلفون عن انتهازية الحزب الوطني الذي فرض الوصاية على الشعب واحتكر كل شئ لأكثر من ثلاثين عاما. وأولى لهم أن يكشفوا صراحة عن نواياهم بدلا من أن يحاسبوا الغير على نواياهم ، خاصة وأنهم للجميع معرفون ، وبانتهازيتهم لا يجهلون، وبكثرتهم عند الطمع مشهورون، وقلتهم عند الفزع ظاهرون، وبصوتهم الناعق بغير الحقيقة يتكلمون، وهم في مجملهم من فلول العلمانيين والاشتراكيين الذين لمصالحهم الشخصية ناظرون، ولانتهازيتهم ونفعيتهم سائرون. وهؤلاء أولى بهم من التفيقه والنعاق أن يتركوا للشعب كلمته ، كما ترك لهم كلمتهم ، فالمجال مفتوح أمامهم ، ولا أحد يحول بينهم وبين إبداء رأيهم والإدلاء بأصواتهم ولا داعي لوصايتهم أو نياحهم أو صياحهم. إن مصر تمر بمرحلة تاريخية مهمة ، وأزمة تحتاج التخطيط الدقيق والفهم العميق، لبنائها سياسيا واقتصاديا من خلال التدرج في الخطوات. والتعديلات الدستورية إن كانت لا تحقق كل المطلوب فهى خطوة في الاتجاه السليم وما لايدرك كله لا يترك كله، وليس عيبا أن يتم تعديل دستور مصر بما يخدم تلك المرحلة ثم تغييره بعد ذلك تغييرا شاملا بصورة تحقق الحرية والعدالة والتنمية وبما لا يمس بهوية الأمة ومنهجها الذي ارتضاه الله تعالى لها. خاصة وأن التعديلات الدستورية المقترحة تلزم مجلسي الشعب والشورى بانتخاب جمعية تأسيسية خلال ستة شهور، وعليهما أن يضعا دستورا جديدا للبلاد خلال ستة شهور أخرى، ثم يتم استفتاء الشعب عليه خلال 15 يوما . إننا أحوج ما نكون إليه في هذه المرحلة أن تسري فينا روح الثورة ، فتتوحد الصفوف -وإن اختلفت الوسائل- لتحقيق هدفنا الأسمي بإقامة دولة ديمقراطية مدنية ، فيها تتداول السلطة ، وتصان كرامة الإنسان ، ويأمن فيها على نفسه وحريته ومستقبل أولاده .. فينبغي تغليب المقاصد العامة والمصالح الموحدة على المقاصد الجزئية والمصالح الفئوية، والانتقال نصف خطوة للأمام خير من الرجوع خطوة للخلف .. من أجل هذا فإنه لو أتيح لي أن أدلي بصوتي في الاستفتاء ما ترددت لحظة أن أقول : نعم للتعديلات الدستورية. www.drdawaba.com