إذا قلنا: «إن الخمر أم الخبائث». فلا غلوّ ولا إسراف إذا قلنا: «إن النفاق هو أبو الخبائث». وقد يلمح المتأمل المستبطن من ملامح الشبه بين «الأم والأب» ما يشد النظر, ويدعو للعجب. والخَبَث كلمة تعني النجاسة والقذارة, والمفسدة, والسقوط, وكل ما يزري ويهبط بقيمة الإنسانية. بين الخمر والنفاق وكلنا يعرف أن الخمر تميل برأس شاربها, فيعيش -بالسكٍر- في عالم من الأوهام أضخم من واقعه, وأكبر من حقيقته بكثير, علي حد قول الشاعر الجاهلي «المنخّل اليشكري»: فإذا انتشيتُ فإنني ربّ الخورْنَق والسّدير وإذا صحوتُ فإنني رب الشويْهة والبعير أي أنه إذا سكر عاش في وهم أنه ثري واسع الثراء , حتي إنه يدخل في أملاكه أعظم قصرين في بلاد العرب وهما «الخورنق والسدير», وإذا أفاق عاد إلي واقعه المر, وهو أنه فقير لا يملك إلا شاة وبعيرا. وكذلك النفاق يدفع المنافق (بفتح الفاء) إلي الانتشاء, وتضخم الذات, ويعيش في عالم مسحور من التعاظم والتعالي ولسان حاله يقول: إني المليك عليهمو وهم العبيدُ إلي القيامةْ وإذا كان المخمور يأتي من الأفعال ما يخرج عن السلوك السوي, والفكر السديد, والعقل الرشيد, فكذلك المنافَق (بفتح الفاء) يندفع طائشا, بلا رويّة, ولا حكمة, ظالما.. غاشما, لا يبالي بالحد الأدني من القيم الإنسانية. وإلي الرياضة وصل النفاق نعرف من سن الصغر أن الإنسان -أيّ إنسان- إذا كان فاضلا ذا خلق طيب متكامل, قلنا إنه «رياضي في أخلاقه», أو «ذو أخلاق رياضية» حتي لو لم يزاول الرياضة طيلة حياته. ولكننا -للأسف- رأينا -ونري- النفاق يلتهم الأخلاق في الوسط الرياضي بنهم شديد. وكان حصول مصر علي كأس الأمم الأفريقية فرصة ذهبية للمتطرفين في الإسراف والمبالغات النفاقية المخجلة: فالسيد سمير زاهر رئيس الاتحاد القومي لكرة القدم, نقرأ له -وعنه- عنوانا بالخط الكبير في صحيفة الأهرام (يوم الأحد 12/2/2006) نصه : سمير زاهر (يقول): جمال وعلاء مبارك شاركا في صنع الانتصار. ومما قاله سيادته تحت هذا العنوان (بعد الحصول علي الكأس): ...«ولابد هنا أن نشيد بالدور الكبير لنجلَي الرئيس علاء وجمال مبارك في توفير سبل النجاح, وتذليل جميع العقبات التي صادفت الفريق, قبل وأثناء البطولة, بالإضافة إلي وجودهما في تدريبات ومعسكر المنتخب بصورة دائمة, مما أدي إلي إثارة الحماس في نفوس اللاعبين. وأنا شخصيا -والكلام مازال لسمير زاهر- أعتبرهما من الأسباب الرئيسية وراء هذا الانتصار الكبير, كما كان لهما الأثر الأكبر وراء الحضور الجماهيري» نظرا للارتباط القوي بين نجلي الرئيس, والجماهير المصرية» (الأهرام 12-2 -2006). وأقول: سُحقا لك يا نفاق والمواطن العادي قد يصدق -ونحن نصدق معه - أن الثنائي «علاء وجمال» كانا يحضران التدريب والمباريات. والمواطن العادي قد يصدق -ونحن نصدق معه- أنهما ذلّلا بعض العقبات التي لا ندري ما هي حتي الآن. والمواطن العادي قد يصدق -ونحن نصدق معه- أنهما كانا محط تقدير فريق كرة القدم والجهاز الفني, لا بوصفهما «علاء وجمال», ولكن بوصفها «ابنَي رئيس الجمهورية». ولن يتغير الشعور لو استبدلنا بهما أبناء رئيس الوزراء, أو أبناء أي وزير, أو كبير ذي حيثية وموقع لامع» لأن «الثنائي المباركي» لا يتمتعان بخصوصية فريدة تجعل منهما شخصين فائقين عقلا وخبرة وتخطيطا وتدبيرا. أما الذي لا يصدقه ولا يستسيغه أحد فيتلخص في الأمور الآتية باستقراء كلام سمير زاهر نفسه : 1- وصْف هذا الانتصار الكروي بأنه «انتصار كبير»(!!!) صحيح أنه انتصار, ولكنه ليس كبيرا يا زاهر, وهذا لا ينفي الجهود الصادقة التي بذلها اللاعبون» فقد كان للحظ دور كبير, ولو أخطأتْ ركلة لاعب من فريقنا طريقها إلي المرمي لانقلب النصر إلي هزيمة, تضاف إلي صفر «المونديال». 2- وكذلك وصف الثنائي المباركي «علاء وجمال» بأنهما سبب رئيسي من أسباب النصر (!!!), وهذه مقولة لا يصدقها تلميذ في سنة «أول سذاجة». 3- أما ثالثة الأثافي فادعاء مرفوض بالثلث مائة في المائة, وهو أن الثنائي المباركي كانا وراء الحضور الجماهيري الكبير, يعني أن الجماهير لم تزحف بهذه الكثافة الفائقة إلي الاستاد إلا من أجل علاء وجمال» نظرًا لشعبيتهما وحب الجماهير لهما. وهو ادعاء لا يساوي الحبر الذي كُتب به , فالتذاكر كانت تباع في السوق السوداء حتي نفدت, ولم يخطر ببال أحد إن كان الشقيقان سيحضران المباريات أم لا. كما أن الشقيقين ليسا من الشخصيات الجماهيرية, ولا يعتمدان -أحدهما أو كلاهما- علي قاعدة شعبية تجعل الجماهير تزحف وراءهما تعاطفا واشتياقا وحبا. فمتي نحترم أنفسنا, ونعتز بقيمنا وأخلاقنا, ونقول للحق: أنت أحق أن تتبع.. ونقول -عمليا وسلوكيا- للنفاق: سحقا لك يا نفاق?! [email protected]