أنهى أبناء عشائر "الدينكا نقوك" استفتاءهم على منطقة "أبيي" بنتيجة ترضي طموحهم المنشود ، وإن كانت تلك النتيجة بمثابة مولود "غير الشرعي" على تلك المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان ، والتي يقطنوها مع قبائل المسيرية ذات الأصول العربية . وجاءت تلك النتائج لتعلن عن تأييد ساحق يزكي تبعيتهم لجنوب السودان بنسبة تخطت 99 % - وفقا لإحصائياتهم ونتائجهم - غير المعترف بها من دولتي السودان ، وكذلك من كافة المنظمات الدولية والأفريقية ، باعتبار أن إجراء الاستفتاء أحادي الجانب مرفوض وفقا للاتفاقيات الموقعة في هذا الشأن بين الخرطوموجوبا . واعتبر المتابعون للاستفتاء ، أنه مجرد عملية أرادت من خلالها عشائر "دينكا نقوك" إرسال رسالة إلى حكومة جنوب السودان بأن أبناء "الدينكا" ما زالوا يشكلون قوة على الأرض ، ولهم تأثير فيما يجري على الساحة السياسية ، ورسائل أخرى إلى المجتمع الدولي تؤكد رغبة "الدينكا" في الإنتماء والتبعية لجنوب السودان ، بينما قلل البعض - خاصة في الخرطوم - من قيمة تلك الرسائل باعتبار إن عملية إجراء الاستفتاء الأحادي لم تجد قبولا من الدولتين والمجتمع الدولي ، معتبرين أن الأمر لم يؤثر على مجريات الأوضاع بين الخرطوموجوبا . ويشير المراقبون لهذا الحدث الدولي الفريد في ملابساته وتداخل مكونات شعب المنطقة السودانية ، إن منطقة "أبيي" وإن باتت هي القصبة الهوائية التي يتنفس منها السودان وجنوب السودان ، على خلفية التفاهمات المشتركة بشأنها بين الخرطوموجوبا مؤخرا عبر قمة الرئيسين سلفا كير والبشير ، غير أن هذه القصبة الهوائية أصبح يعتريها بعض الشوائب تعكر صفو مزاجها بعمل استفتاء أحادي نفذته عشائر دينكا نقوك . وفي ردة فعل اعتبرها سياسيون بحكومة الخرطوم "منطقية" أعلنت الهيئة الشبابية للدفاع عن "أبيي"-جانب الخرطوم- إنها في حل عن كل الاتفاقيات المتعلقة بمنطقة "أبيي" ، وغير ملتزمة بها ، وذلك على اثر خرق قيادات الحركة الشعبية من أبناء "دينكا نقوك" بالمنطقة لتلك الاتفاقيات ، وإصرارها على إقامة استفتاء على مصير المنطقة من طرف واحد , وأكدت - في هذا الصدد- رفضها القاطع لنتائج هذا الاستفتاء غير الشرعي . ووجهت الهيئة ، رسالة إلى المجتمع الدولي ممثلا في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، تطالبه فيها برفع يده عن "أبيي" بحجة انه لم يتخذ أية خطوات جادة تجاه ما يجرى الآن من إجراء استفتاء من جانب واحد . وانتقدت الهيئة كذلك ، حكومة جنوب السودان وقالت "إنها تقاعست في إيقاف هذا الاستفتاء بالرغم من إنها تسيطر على من يقودون هذا العمل من قيادات الحركة الشعبية من أبناء الدينكا" ، محملة حكومة جوبا مسئولية ما سينتج عن هذه الأعمال . من جهته ، اعتبر حزب الأمة القومي المعارض في السودان - والذي يحظى بكثير من التأييد بين قبائل المسيرية - إن إجراء الاستفتاء من جانب واحد لا معنى له ولا مصلحة منه ، "بل هو ضار يساهم في توتر الأوضاع بالمنطقة ويتعدى تأثيره إلى أكثر من ذلك" . وقال الحزب ، الذي يتزعمه الصادق المهدي ، إنه ما زال يرى إمكانية أن تكون أبيي منطقة للتعايش والتواصل بين مكوناتها المحلية ودولتي السودان ، معتبرا أن أي استفتاء من طرف واحد يهدد ذلك التعايش . ويؤكد المراقبون أن المخرج من تلك الأزمة ليس من خلال إجراء الاستفتاء الموازي لقبائل وعشائر المسيرية ، بل يجب أن تسعى الدولتان إلى حل القضية من خلال سحب البساط من القبائل وتفعيل هيبة الدولة ، وكذلك فإن عدم اكتراث حكومتي الخرطوموجوبا بما يجرى على الأرض قد يقلل كثيرا من قيمة ألاستفتاء كونه "مولود غير شرعي" ربما تريد عشائر الدينكا نقوك أن تبعث به إلى حكومة جوبا لتوقع إقرارا على قوتهم وتأثيرهم على الأرض . وتقع منطقة "أبيي" بين السودان وجنوب السودان ، وتعد من أهم نقاط الخلاف الرئيسية التي لم تحل بين الخرطوموجوبا منذ توقيع اتفاق السلام الشامل في 2005 الذي أنهى عقدين من الحرب الأهلية بين الحكومة السودانية وحركة التمرد الجنوبية ، وأسفر عن تقسيم السودان في 2011 .