أصعب شئ في بلادي، ومصيبتا الكبري التي لا علاج لها، هو عدم اتساق القول بالعمل، فأنا الملاك وغيري هو الشيطان الرجيم، وأنا من لا يخطئ وغيري هو صاحب التقصير والفشل والمؤامرات، والظروف ايضا هي التي لم تكن مواتيه كي اؤدي عملي علي النحو الأمثل. حين تسمع المتحدث، أيا ما كان هذا المتحدث بدءأ من أحدث معاون خدمة عٌين حديثا في أصغر مؤسسة بالحكومة أو القطاع العام أو الخاص مرروا بأي موظف حكومي أو استاذ جامعي أو إعلامي أو رجل دين، وصولا لأعلي هرم السلطة، بضم السين او فتحها ايضا، حين تسمع هذا المتحدث تشعر بأن مصلحا إجتماعيا يتحدث وبأن هذا الكائن المتحدث ملاك يمشي علي الأرض وبأنه هو من وضع نظم الإنضباط والإلتزام والمحاسبة بكافة المؤسسات للدول العصرية الحديثة والمتقدمة، وهو أيضا من وضع نظم الجودة للنهوض بالمصانع والجامعات، وهو أيضا من وضع نظم المرور للسيارات والطائرات والسفن، وتشعر بأن هذا الكائن النوراني لا يٌخطئ وبأنه ملتزم بتعاليم دينه وبمتطلبات عمله علي وجه يشعرك بالتقصير والإحباط، وإنه منضبط كالساعات السويسرية في الذهاب إلي عمله والإنصراف منه، وبأنه يقوم بآداء واجباته الوظيفية علي الوجه الأكمل، وبأنه لا يؤذي الآخرين بصوته المرتفع، ولا يلقي الزبالة في الشارع ، وبأنه لا يؤذي جيرانه كل صباح ومساء وبأنه لا يسرف في إستخدام المياه، وبأنه لا يندفع كما الدانة عند ركوب المترو دون إنتظار من ينزل سواء كان هذا النازل مريضا أو شيخا كبيرا، وكأن المتحدث هذا ايضا لا ينافق رئيسه ولا يمارس ساديته علي مرؤسيه، وكأنه لا يعطل مصالح البشر، وبأنه لا يسعي للحصول علي الاموال دون عناء أو تعب أو مجهود مقابل هذا العمل، وإن كان المتحدث صاحب حرفة وتسمعه وهو يتحدث، تشعر بأن هذا المتحدث لا يستغل صاحب العمل ولا يخلف الميعاد معه مرات ومرات، وكذلك لا يتقن حرفته علي الوجه الأمثل، وإذا كان المتحدث طبيبا، تشعر بأنك أمام شخص لا يتاجر بأنات المرضي وضعفهم وحاجتهم، وإذا كان المتحدث مدرسا، تشعر أنك امام إنسان يشرح في المدرسة ولم يحول التعليم بقدرة قادر من الفصول للشقق، بإختصار شديد لو أن احدا من مكان آخر إستمع لما يٌحكي أو قرأ لما يٌكتب لتأكد بأن أصحاب هذا البلد ملائكة وبأن هذا البلد بالتأكيد سيكون غاية في التقدم وسكانه يعيشون في المدينة الفاضلة، وتمني لو أنه عاش وسط هؤلاء البشر، ولكنه بكل تأكيد لو عايش من يتحدث ومن يكتب لمدة ساعة واحدة لكان له رأيا آخرا. خلاصة القضية أنه يوجد انفصام حاد -ويمكنك أن تقول تام - بين ما نقوله وما نصنعه، بين ما نتمناه وما نحياه، بين حلمنا وبين واقعنا، بين متطلباتنا وبين قدراتنا، بين ارادتنا وبين ادارتنا، والادهي والامر اننا غير مدركين ولا معترفين بهذا، ومرارات تقصيرنا وفشلنا وخيبتنا القوية نعلقها عادة علي شماعات الغير وقلة الإمكانيات ومحاربة الآخر، اعلم ان هناك معوقات، وأن هناك مقاومة رهيبة من البعض للتغيير، فكل موظف –إلا من رحم ربي- نائم علي ما عرفه منذ استلامه العمل ومكتفي بهذا ولا يرغب في النقل أو التعلم أو التدريب والتطوير، فالإنسان عدو ما يجهل والموظف عدو من يحمله بأعباء أو معرفة إضافية. فقرنا ليس في إمكانياتنا ولكن فقرنا في عدم إستغلال امكانياتنا الاستغلال الامثل، ومشكلتنا الكبري أننا نتقن الكلام والشكوي ونفرط فيهما، ولا نتقن العمل والجلد وفقراء فيهما ايضا، نحن نتكلم كثيرا بكلام رائع، ولكن لا نعمل، أو نعمل قليلا وإذا عملنا لا نتقن، لنعمل كثيرا ولنتحدث قليلا، وما يتوجب علينا عمله الآن أن نأخذ بأسباب التقدم وهذه الاسباب معلومة للجميع، السؤال الأن هل توجد لدي المسئولين الرغبة الحقيقية في البدء نحو بناء مصر الحديثة؟ الإجابة لديك عزيزي القارئ. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.