خلال أقل من أربع وعشرين ساعة تم تسريب ثلاثة فيديوهات للفريق السيسي وهو في اجتماع خاص مع بعض قادة القوات المسلحة يتشاورون معه في بعض شؤون البلاد ، وواضح أن الاجتماع كان في إطار روح أسرية وحميمية بعيدا عن الروح الصارمة والمتوترة ، وبعيدا عن الإطار الرسمي ، وتحدث السيسي في الاجتماع باسترخاء وبشكل صريح في بعض الأحيان ، ولا نعرف بالضبط كيف تم تسريب هذه الفيديوهات ، ومن الذي سربها ، تباينت التفسيرات ، البعض اعتبرها ضربة من خصوم السيسي له باعتبار أن بعض ما ورد في هذه الفيديوهات يحرج السيسي ، كإشارته إلى أن رجال الشرطة لن يحاكموا إذا نتج عن مواجهتهم للمظاهرات قتلى ، ومثل حديثه عن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العقيد أحمد علي بأنه "جاذب للستات" وهو ما يعرض أنصار السيسي وخاصة من النساء للحرج الشديد ، ومثل حديثه عن تخطيطه لاختراق الإعلام المصري ووضعه تحت السيطرة ، والبعض الآخر اعتبر أن تسريب هذه الفيديوهات تم بموافقة السيسي أو بعض أنصاره باعتبار أنها تعطيه صورة الأب بين القوات المسلحة وقادتها ، لا أحد يعرف الحقيقة هنا بالضبط ، لكن الذي لا يمكن تجاهله أن الفيديوهات فيها ما يحرج السيسي ويسيء إليه ، وهو ما يجعلنا نطرح السؤال التالي والضروري ، وهو : لماذا تم تسريب هذه الفيديوهات الآن ، وخلال الأربع وعشرين ساعة الماضية ، أيضا هنا تفسيرات متعددة ، لعل أبرزها أنها تأتي في سياق رد على الحملة والتسريبات التي تعرضت للفريق سامي عنان وتسليم ملفات مشينة له لبعض الصحف والإعلاميين لتلويث سمعته أو حرقه سياسيا وقطع الطريق على طموحه للترشح لرئاسة الجمهورية ، وبعد نشر هذه التسريبات بيومين فقط تم تسريب الفيديوهات الخاصة بالسيسي ، وأنا أتصور أن هناك تسريبات أخرى في الطريق ، سواء عن هذا الطرف أو ذاك ، ويبدو أن المباراة الخاصة تتجه إلى "الجيم المفتوح" . والحقيقة أن نشر ملفات الفريق عنان ستجعل الاشتباك السياسي في مصر أكثر تعقيدا ، كما أنه سيكون له توابع ، لأن الملفات المسربة عنه تعني بلغة واضحة أنه متهم بالفساد والتربح خارج إطار القانون عندما كان الرجل الثاني في الجيش المصري ، وعلى نطاق واسع كما نشر ، والفريق عنان كان رئيس أركان حرب القوات المسلحة ، وهو ما سيجعل السؤال الضروري في هذه الحالة هو : هل كان عنان وحده في هذا الفساد إذا صح أم كان هناك آخرون ، هل مثلا كان عنان يتربح بكل هذه الوحشية التي تعرض الآن ، بينما قائده ورئيسه المشير طنطاوي عفيف اليد طاهر الذيل لم يتربح بأكثر من راتبه من القوات المسلحة ، وإذا كان من المحتمل وأنا أستبعد ذلك أن يتم تفجير قضايا فساد لعنان خلال الأسبوعين المقبلين ، كما يسرب بعض الإعلاميين المحسوبين على أجهزة سيادية ، فهل مثل هذه القضية ستتوقف عند عنان ، أو أن السبحة ستكر ، ومن الذي يتحمل الآن "كر" سبحة الفساد في هذه المنطقة الحساسة ، خاصة وأن آخر السبحة لا نعرفها ولا نعرف أسماءها ، لذلك أتوقع أن ما حدث مع عنان هو قرصة أذن أو شيء يشبه ذلك ، لأن تكلفة المواجهة القانونية مع رئيس أركان القوات المسلحة المصرية السابق ستكون خطيرة العواقب ، غير أن ما حدث ويحدث الآن يكشف عن حقيقة واضحة ننساها في غمرة الهموم والإحباط ، وهي أن مصر تغيرت ، حتى عندما يكابر بعض أقطاب الجهات السيادية في احترام هذه الحقيقة ، وأن مصر وهمومها وبنية الدولة الجديدة أصبحت أكبر من الجميع ، وأن أحدا أو جهة واحدة لم تعد باستطاعتها ابتلاع الدولة وحدها ، أو إخضاعها بشكل مطلق وصارم لإرادتها كما كان يحدث قديما ، مصر تغيرت ، والدولة المصرية الجديدة ستولد من رحم هذه الأزمات والصراعات والخوف والغموض أفضل مما كنا نتخيل ، أثق في ذلك .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1