«أنا عايز أقول: أقسم لكم بالله، ولكل اللى بيسمعنى دلوقت.. القوات المسلحة من 25 يناير وحتى الآن، والله، وأقسم بالله على ذلك، لم تقتل ولم تأمر بقتل، لم تغدر ولم تأمر بغدر، لم تخُن ولم تأمر بخيانة. عايزين نخلى بالنا من القوات المسلحة، وأرجو من كل اللى بيسمعنى إن هو يخلى باله أوى قبل ما يسىء لجيشه وللقوات المسلحة». هكذا قال الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، وهو يقف إلى يمين الرئيس مرسى، الذى كان جامداً لا ينظر ل«السيسى» الواقف على يمينه، ولا يلتفت لكلامه، بينما عينه زائغة كعادته، وملامح الصرامة المصطنعة على وجهه مع الوضع «انتباه» الذى يقف فيه.. كل ذلك أظهره فى صورة «الراجل اللى واقف جنب عبدالفتاح السيسى» بدلاً من أن يظهره فى صورة «الرئيس الرصين الذى لا يلتفت لأحد بينما الكل يجب أن يلتفت إليه»، وهى الصورة التى فشل مستشاروه فى تسويقها ولو بشكل بروتوكولى ينطبع فى الصورة الذهنية للناس. من ضمن ما قاله «السيسى»: إن القوات المسلحة تتأثر بشدة بالإساءة إليها، وهو ما يجب بالمناسبة أن يشعر به أى مصرى مخلص، لكن الفريق «السيسى» يدير معركة على الرغم من نبلها، فإنها تبدو فاشلة؛ لأنه يديرها بأسلوب «إحنا جامدين أوى لا مؤاخذة»، فيذكر الناس بما فعلته القوات المسلحة فى أعقاب الثورة وحتى تسليم السلطة، بينما الصورة المنطبعة فى أذهان الكثيرين هى صورة البنت التى عرّاها وسحلها جنود وضباط القوات المسلحة الأشاوس، ولم يحاسب أحد. هنا تبدو المشكلة الحقيقية فى «السيسى» وعقليته ومستشاريه. نفس العقلية القديمة التى ترفض الحساب من منطلق أن الأمور ستتحسن مع الوقت، بينما الأمر عار عليهم سيظل يطاردهم حتى يوم الدين مثلما سيطارده هو شخصياً إن اعترف بحدوث كشوف العذرية كإجراء روتينى بينما لم يدن أحد أو يعاقب من الضباط الذين قاموا بذلك وتم نفى الواقعة فى الأساس. وبدلاً من وجود ثواب وعقاب يعلن على الرأى العام فيضرب تعظيم سلام للقائد العام للجيش الذى لا يعجبه الفساد أو الحال المايل، ما زلنا لا نعرف ماذا حدث مع ضباط كثيرين متورطين فى تعذيب نشطاء، سواء عند المتحف المصرى أو فى أحداث مجلس الوزراء أو حتى فيما يتعلق بالطفل الذى اعترفت القوات المسلحة بقتله خطأ ولم تقل لنا كيف عاقبت المخطئ والمسئول عن إزهاق روح طفل كان كل ما يريده من الدنيا أن يحلم. هنا تأتى الإشكالية الثانية فى عقلية «السيسى» ومستشاريه، وهى الشعور بأن الحساب ينتقص من القوات المسلحة وقد يبعث على التذمر فى صفوف كبار الضباط، بينما الأمر لا يجب أن يكون كذلك بالمرة.. من يخطئ يعاقب. هكذا الأمر ببساطة متناهية ووفق قواعد صارمة معمول بها فى الجيش (عندى واقعة مخزية حدثت من أحد الضباط الذى أثق أنه عوقب، لكن كل هم قادته هو ألا تصل الواقعة للإعلام، وكان كل ما أفكر فيه وقتها: لولا الثورة هل كان قادته سيخافون كل هذا الخوف؟ ولولا الخوف من الإعلام هل كانت المتضررة من الواقعة ستأخذ حقها؟ والأهم من كل ذلك أنه فى حال نشرها كان سيتم اتهام الوسيلة التى تنشرها بأنها تسىء للجيش وتقف فى معسكر الإخوان، وعموماً الواقعة يتم التحقيق الحقيقى فيها الآن ويعلمها الفريق السيسى والمتحدث العسكرى). ثم تأتى الإشكالية الثالثة، وهى إدارة أزمة الجيش مع الإخوان، الذين يلعبون على ضرب الثقة فى القوات المسلحة لمنع عودتهم لصدارة المشهد ووأد أى انقلاب محتمل، فيعمدون إلى التشويه، وهكذا صار «السيسى» وقادته يخوضون المعركة فى الكواليس بأسلوب «من ليس معى فهو ضدى»، وعلى طريقة أن من يضربنا الآن أو ينتقدنا هو خائن بالضرورة؛ لأنه يريد إسقاط هيبة الجيش، بينما الحقيقة أن إدارة هذا الملف يجب أن تكون عن طريق الشفافية ومواجهة الإخوان مع ردود صارمة حاسمة واضحة منسوبة لأصحابها وليس إلى «مصدر مطلع» أصبح «شبهة» للصحف التى تنقل تسريباته بدلاً من أن يكون طوق نجاة وفارسا قويا على أرض المعركة. كان يجب مواجهة الإخوان بغض النظر عن غضب الرئيس المحتمل الذى سيكبحه رغماً عنه؛ حيث سينحاز الشعب وقتها للجيش ومحافظته على سمعته، وليس إلى فصيل سياسى المفترض -ولو نظرياً- أن الرئيس يتعامل معه مثلما يتعامل مع غيره من الفصائل. هنا نأتى للإشكالية الرابعة عند «السيسى» وهى أنه ومن معه لم يفهموا أن الثورة تغيير حقيقى ومواجهة قوية مع الخطأ والفساد، وأنها تغيير «فكر» وليست مجرد تغيير «أشخاص»، وبالتالى يا سيادة الفريق فتطوير الكفاءة القتالية بشكل غير مسبوق كما أشرت فى تصريحاتك نحن نثق به، لكن يجب أن يواكبه تطوير فى إدارة الأزمات وتحسين العلاقة مع الإعلام -الذى صار متهماً مع الجميع- ومع المضارين من كل ما حدث من أخطاء وخطايا يجب أن تعترف بها ولو بعد حين ويتوب عنها ضباطك، وأن تحاسب المسئولين عنها بإرادتك أو مرغماً ولو بعد حين، ولتقرأ جيداً تقرير لجنة تقصى الحقائق الأخير، ولتحاسب المسئولين عن قتل البعض فى السجن الحربى ودفنهم فى مقابر الصدقة، وبدلاً من تكذيب صحيفة «جارديان» فيما ذهبت إليه استناداً إلى هذا التقرير، فلتحاسب المخطئ أولاً ثم تتساءل: لماذا ركزت على مسئولية القوات المسلحة؟ سيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسى.. كن فارساً شجاعاً وحاسب المخطئ «ولو على رقبتك». واجه كل من يسىء إلى الجيش بإجراءات وليس بتصريحات مسربة.. لا تقلق من الإخوان بل من عامين ارتكبتم فيهما ما يسىء لتاريخ طويل. وأخيراً: افهم الثورة حتى تدرك طبيعة الأمور.. أرجوك.