قضى الرأى العام المصرى أول أمس ليلة بائسة وشديدة الكآبة بعد الحكم المباغت لمحكمة الجنايات بتبرئة جميع المتهمين فى قضية موقعة الجمل، وبينما النفوس هائجة والخواطر متشنجة والمشاعر ملتهبة سربت جهات إعلامية محترفة خبرًا مفاجئًا أيضًا يقول بأن الفريق سامى عنان عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة سابقًا سافر خلسة إلى الإمارات، وبنى البعض تفسيرات على هذا الخبر ونشرها تقول بأن المهندس خيرت الشاطر كان فى الإمارات قبلها ورتب لهذه السفرة، وذلك قبل أن يتبين بعد عدة ساعات أن الخبر كاذب وأن الفريق عنان فى القاهرة ويمارس حياته الطبيعية، إذن اللعبة كانت واضحة، وهو أن جهات مجهولة حاولت صب المزيد من الزيت على نار المشاعر الغاضبة والملتهبة، براءة هؤلاء المتهمين كانت فاجعة حقيقية، ولكنها للأمانة كانت متوقعة منذ بدايتها، على الأقل كانت متوقعة بالنسبة لى، وزادت قناعتى بأن هؤلاء سيحصلون على البراءة بعد حكم الجنايات فى قضية مبارك والعادلى ورجال الداخلية، وقتها تأكدت أن البراءة ستكون حكم قضية "موقعة الجمل" أيضًا، لأنه من الواضح أن من "ستف" ملفات تلك القضايا فهو رتبها بما يجعل القاضى أمام خيار واحد، وهو براءة المتهم، لأن الأدلة غائبة، لم يكن الأمر مجهولاً عندما اشتكت جهات التحقيق فى أعقاب الثورة من أن مؤسسات سيادية وأمنية رفيعة رفضت التعاون مع جهات التحقيق أو تقديم ما لديها من أدلة ووثائق، أيضًا الحملة المحمومة لطمس الأدلة وحرق الوثائق وتدمير شرائط التسجيل، التى حدثت فى أكثر من قطاع بوزارة الداخلية، كل تلك المقدمات كانت تشير إلى أن هناك من قرروا تبرئة المتهمين من حيث المبدأ ومن المنبع، وأن تنتهى القضايا إلى ما انتهت إليه، هذا الأمر لا ينفى التقصير عن جهات قضائية أخرى، وبوجه القطع هناك شيء خطأ فى النيابة العامة وفى مكتب النائب العام، ولا أحب أن أخوض فى تفاصيل لهذا الأمر فهو مما يتكرر الهمس به مرارًا بين القضاة وبين المحامين، وأنا لا أعرف بالضبط كيف يمكن تصحيح الأوضاع فى هذا القطاع المهم والحساس والذى يمثل أساس العدالة ومفتاحها، ولكنى على ثقة من أن فى مؤسسة العدالة من الخبراء والنبلاء والحكماء من يمكنهم إعادة تصحيح الأوضاع، كما أنى واثق من أن الرئيس محمد مرسى لديه الإرادة السياسية لهذا التصحيح، وربما ينتظر العون من أهل الخبرة والحكمة والإصلاح، لا أعرف ما الذى ينبغى عمله الآن من الناحية القانونية، ربما إعادة التحقيق، ربما إعادة المحاكمة، لا أعرف، ولكنى فعلا مكتئب وحزين . [email protected]