وقع ما حذرنا منه.. اتسع الانقسام بين شركاء الوطن، وزادت الهوة بينهما، ونجح أحد الأقسام في إقصاء القسم الثاني كليةً بعدما سيّر مظاهرات ضخمة، وتحالف مع رجال نظام مبارك، وانحاز إليه قادة الجيش المصري. ونناقش هنا مجموعة من النقاط: 1) لدى كلا القسمين منطق لما حدث، فالقسم الأول يرى أن مرسي فشل في إدارة شؤون البلاد، وانحاز لجماعته، ولم يغلب مصلحة الوطن، وتسبب في الانقسام الحاصل بالشارع، ولو كان قد استمر في إدارة شؤون البلاد لربما وصل الأمر إلى وقوع حرب أهلية، بما يبرر تدخل الجيش لعزله، بينما يقول الطرف الثاني إن مرسي أفشلته -عن عمد- الدولة العميقة، وأنه يمثل الشرعية الدستورية، وأن الأعداد التي خرجت في 30 يونيو لا تمثل نسبة كبيرة من الشعب المصري، وأن الراغبين في التغيير كان يجب عليهم الانتظار حتى الاحتكام إلى صندوق الانتخاب في نهاية فترة مرسي الرئاسية. بما يؤكد أننا أمام انقسام مجتمعي متأزم ما كان ينبغي حله على النحو الذي تم بتدخل قادة الجيش. كما أن هذا الانقسام المتأزم إنما يؤكد حالة الفشل العام والانسداد الذي وصل إليه المجتمع في مصر، فشل الحكام في الإدارة والحكم، وفشل النخب المعارضة في تقديم البديل. 2) عزل الرئيس مرسي ليس عدوانا على هوية المجتمع المصري، لأن مرسي ليس هو من يحدد هوية المجتمع، وإنما يحددها الدستور المصري. كما أن جماعة الإخوان المسلمين ليست هي الإسلام، لأن الإسلام باق في مصر من قبل ومن بعد الجماعة، وكذلك فإن جماعة الإخوان ليست هي كل التيار الإسلامي، ولا تمثل كل مؤيدي مرسي. لكن عزل مرسي يمثل عدوانا على إرادة جميع الناخبين الدين اختاروه، وهم أغلبية من ذهب للإدلاء بصوته في أول انتخابات رئاسية نزيهة تشهدها مصر. 3) تدخل قادة الجيش في مشهد 30 يونيو يختلف عن تدخلهم في مشهد 25 يناير 2011؛ ففي يناير لم يكن ثمة انقساما قبله على هذا النحو الواقع بين القوى السياسية في يونيو 2013؛ لذا فإن تدخله في 2011 كان مرحبا به من كافة القوى السياسية، أما تدخله في يونيو 2013 فلم يكن مرحبا به من أحد أكبر الأقسام السياسية في مصر، وهو غالبية التيار الإسلامي، والقوى التي لازالت متمسكة بالشرعية الدستورية، ولاتزال ترى في الرئيس مرسي رئيسا شرعيا للبلاد، وكثير من المواطنين غير المسيسين ممن شاركوا في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، وأعطوا صوتهم لمرسي في الانتخابات الرئاسية، ولازالوا متمسكين به رئيسا. بما يعني أن قادة الجيش المصري قد تجاهلوا هذا القطاع الكبير من الشعب المصري أثناء اختيارهم للانحياز لمعارض مرسي في يونيو الماضي. 4) القوى التي نظمت مظاهرات 30 يونيه كانت تطالب بتحديد موعد لانتخابات رئاسية مبكرة، أما الجيش حين تدخل في نهاية المطاف فقد فرض وضعا عزل فيه مرسي، وأوقف العمل بالدستور، وعين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد، في الوقت الذي كان يمكنه التدخل لعمل استفتاء على الرئيس، أو حتى فرض انتخابات رئاسية مبكرة كما طالبت المعارضة، أي أن قادة الجيش ذهبوا إلى ما هو أبعد من مطالب معارضي مرسي. 5) 30 يونيو لم تكن معارضة ثورية خالصة، وإنما اشترك فيها رجال نظام مبارك، سواء بالمال أو الإعداد أو الدعم. كما صاحب تدخل الجيش في 30 يونيه احتجاز الرئيس مرسي بدون أي اتهام، وفرض تعتيم إعلامي تمثل في غلق القنوات الإسلامية المساندة لمرسي، ظنًّا بأن ذلك سيُسكت مؤيدي مرسي، كما انطلقت -ولاتزال- الدعوات لتشويه الإخوان المسلمين وإقصائهم كلية من الساحة السياسية، باعتبارهم أكبر كتلة مؤيدة لمرسي، وعلى الرغم من ذلك؛ فقد خرجت جماهير غفيرة، من الإسلاميين ومن غيرهم من المسيسين وغير المسيسين، في جميع محافظات مصر، تطالب بعودة مرسي، واستمر خروجهم حتى الآن، وهو ما لم يحدث بعد سقوط مبارك، بما يدل على أن هناك إرادة شعبية مُعتبرة تطالب بالشرعية. 6) قادة الجيش أخطؤوا بالانحياز لأحد أطراف الصراع السياسي ضد طرف آخر؛ لأن تدخلهم زاد من انقسام المجتمع، وكان بإمكانهم حل المشكلة حلا سياسيا آخر بدون عزل مرسي، لكنهم لم يفعلوا. كما أنهم أخطؤوا حين لجؤوا للحل الأمني لإسكات مؤيدي مرسي وفضّ تجمعاتهم، حيث تسبب ذلك في وقوع مجازر ومهازل، ولازالت مستمرة؛ وبأعداد مخيفة؛ لأن الخاسر من قمع مؤيدي مرسي الجاري الآن هو المجتمع المصري نفسه؛ فهو بذلك سيكتسب عداوة قطاع كبير من الإسلاميين، وكذلك من جموع الشعب غير المسيسين من مؤيدي مرسي، والذين سيكفرون بالمشاركة السياسية وبالديمقراطية، وربما -وأتصور أن ذلك سيكون أكيدا- يتحول قطاع كبير منهم إلى تبني العنف وسيلة وحيدة للتغيير ولفرض آرائهم على المجتمع فيما بعد. نؤكد أن الدم المصري كله حرام، كما أتصور أنه لا بديل عن تبني الحل السياسيي؛ لأنه غيره من الحلول سيجرنا إلى ما لا تُحمد عقباه، سواء كان الحل الأمني بالقمع، أو السعي لإحداث انشقاق في الجيش، والذي سيكون تأثيره كارثيا على المجتمع. وقت الحلول السياسية لم ينته بعد، فلازال بالإمكان الرجوع لعمل استفتاء على الرئيس مرسي، أو على خارطة الطريق، أو حتى عمل انتخابات مبكرة، وهي كلها أفكار يمكن مناقشتها هي، أو غيرها، إذا استشعر كل طرف مسؤوليته، وتوافق الجميع على الالتقاء للخروج من هذه الأزمة التي ربما تجرّ البلاد إلى هُوّة سحيقة. إعلامي مصري مقيم في الممكلة العربية السعودية عضو رابطة الإعلاميين المصريين في المملكة العربية السعودية