قبل أن يلقي الرئيس مبارك خطابه في عيد العمال..كان لابد أن تختفي مظاهرات العمال واعتصاماتهم من فوق رصيف مجلس الشعب..فلا يليق أن يوجه الرئيس خطابا للعمال في عيدهم وهم معتصمون..هكذا رأت الحكومة وحزبها..بعد الاشارة التي جاءتها من الدكتور زكريا عزمي وهاجم أداء الحكومة تجاه العمال المعتصمين..وانفضت الاعتصامات وألقي الرئيس خطابه الذي استغرق 36 دقيقة..وخصص الجانب الأكبر منه لعمال مصر..كما أعلن مبارك أنه علي علم تام بما يجري علي أرض مصر..لكن هل ذكرت التقارير التي وصلت للرئيس كافة التفاصيل..ظني أن تلك التقارير قد أغفلت جوانب وركزت علي أخري..لأن ذكر الحقيقة كاملة للرئيس كان يجب أن يتبعه محاكمة الرئيس لحكومته..عندي هنا ثلاثة أمثلة وثلاثة وقائع محددة وثلاثة وزراء..استحقت- واستحقوا- جميعا أن يتوقف الرئيس أمامهم ويستفسر لكنها مرت جميعا دون سؤال أو حساب..فهل كان ذلك لإخفاء المعلومات عن الرئيس أم أنه علم لكنه رأي أن كل ماجري لايستوجب المساءلة..في السطور التالية تفاصيل الثلاث وقائع. (1) الموقف الأول جري في مدينة شرم الشيخ وتحديدا في الفترة التي كان الرئيس يقضي خلالها فترة النقاهة..عندما عقد وزراء الري بدول حوض النيل اجتماعا ضم وزير الري المصري..ولم يبعد مكان الإجتماع كثيرا عن مقر اقامة الرئيس مبارك..دخلت مصر هذا الاجتماع وهي تشعر أنها قادرة علي تنفيذ رؤيتها حول مشكلة مياه النيل التي نشأت مع دول المصب الثمانية..رغم أن كل المؤشرات كانت تفضي الي فشل هذا الاجتماع الذي لم ينل استعدادا كافيا من حكومتنا..فلم تدرس نقاط القوة والضعف..ولاندري هنا ما الذي كانت تنقله التقارير للرئيس حول أزمة مياه النيل..خاصة أن اجتماع شرم الشيخ قد انتهي بهزيمة سياسية للحكومة..ولانتجاوز عندما نصفها بالفضيحة..فماذا يمكن تسمية ماأعلنه وزراء الري بدول المنبع ومن فوق أرض مصرية عن رفضهم كافة الدفوع والمطالب المصرية..وأعلنوا في بيانهم عن توقيعهم اتفاقا اطاريا فيما بينهم دون دولتي المصب مصر والسودان وذلك يوم 14 مايو الجاري (أمس الأول)..يقتسمون خلاله مياه النهر..بعبارة أخري فقد تلقت الحكومة الهزيمة السياسية علي أرض مصرية..وظني أنها المرة الأولي التي تحدث للدولة المصرية..وأن يستهين الخصم بدولة في حجم ومكانة وتاريخ مصر..فلايهابها بل يهينها علي أرضها..ويعلن عن رفض مطالب الحكومة المصرية ويتحدي سياق المفاوضات ويعلن شروطه هو..كأنه يقول اخبطوا رؤوسكم في الحائط..لكن المفاجأة تمثلت في رد فعل وزير الري المصري والذي أقام حفل عشاء بدوي للوفود المشاركة..ظنا منه أنه بهذه الاحتفالية سوف يعيد دول المصب الي مائدة المفاوضات..لقد جرت هذه الأحداث بالقرب من مقر اقامة الرئيس والمفروض أن تفاصيلها قد وصلته..وكنا نتوقع أن يحاسب الرئيس المقصرين في هذا الملف..بداية من رئيس الحكومة مرورا بوزارة الري وأية أجهزة أخري..فلماذا لم يحاسب مبارك رئيس حكومته عن فشل مؤتمر شرم الشيخ وهزيمة مصر علي أرضها. (2) الحدث الثاني الذي جري في فترة نقاهة الرئيس وأورده في خطابه في عيد العمال تمثل في طرح الحكومة المصرية سندات دولارية قيمتها مليار ونصف المليار دولار في الأسواق العالمية..لاستخدامها في تغطية عجز الموازنة المزمن..وعندما تمت تغطية السندات أكثر من مرة (أي أن هناك أكثر من مؤسسة مالية كان لديها رغبة في إقراض مصر) فإن وزير المالية إعتبر ذلك دلالة قوية علي قوة الاقتصاد المصري..وإذا كان ماقاله غالي يحمل قدرا من الحقيقة لكن الصورة ليست بيضاء بهذا الشكل..وعندما رفعت الحكومة تقريرها للرئيس عن موضوع السندات..فكان عليه سؤال ووزير المالية..هل استنفذت الحكومة كل وسائلها الداخلية لتغطية عجز الموازنة..ثم بعد أن أعيتها الحيل اضطرت الي الدين الخارجي..المؤكد أن الحكومة كان لديها عددا ليس قليلا من البدائل (سنعرض لها لاحقا) لتغطية جزء من هذا العجز لكنها لم تلجأ إليها. نعرف أن الحكومة لديها عجزا كبيرا في الموازنة القادمة مقداره 110مليار جنيه..وقد اعتمدت الحكومة طريقا واحدا لتغطية هذا العجز وهو الاقتراض..وفي السنوات الأخيرة بلغ الإقتراض الداخلي 550مليار جنيه..ولم تجتهد الحكومة في البحث عن بدائل أخري لتغطية عجز الموازنة الدائم بعيدا عن الاقتراض. ويعرف الرئيس مبارك أن الدين الخارجي ضد مصالح الأجيال القادمة لأنه يحرمهم من فرص النمو..عندما يتم اقتطاع جزء من الميزانية لسداد أقساط الديون والفوائد بدلا من توجيه هذه الأموال لإقامة مدارس أو مستشفيات أو في زيادة الأجور..وعندما يري وزير المالية أن سداد هذه السندات سيتم خلال ثلاثين عاما..فهذا ليس مثارا للفخر بل إنه يعني في حقيقة الأمر ترحيل المشكلة مدة أطول تتحملها الأجيال القادمة. تبلغ قيمة السندات الدولارية التي طرحتها الحكومة مؤخرا بالأسواق العالمية حوالي ثمانية مليار جنيه وهو مبلغ بسيط مقارنة بإجمالي الناتج القومي والذي يقترب من 1300مليار جنيه..فكيف فشلت الحكومة في تدبيره من الداخل بدلا من التورط في الاقتراض الخارجي. المؤكد أن الحكومة كان أمامها أكثر من بديل داخلي لتدبير مبلغ الثمانية مليار جنيه ..مثل خفض النفقات العامة داخل الموازنة..وزيادة أسعار الغاز الذي تصدره مصر الي الخارج..بدلا من بيعه بسعر التكلفة كما هو الحال الآن..كان أمام الحكومة بديلا آخر وهو رفع الحد الأقصي للضريبة علي أرباح الشركات الي 30% مثلا بدلا من 20%..أو كما تفعل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة..حيث تزيد الضريبة هناك كلما زادت الأرباح. واذا وجدت الحكومة صعوبة في الأخذ بأي من البدائل السابقة..فان الصناديق الخاصة هي الحل..وهي موجودة في المحليات وبعض الوزارات والهيئات الحكومية خاصة أنها بعيدة عن الموازنة العامة ولاتخضع لرقابة مجلس الشعب أو المركزي للمحاسبات.. وبلغت أرصدتها 1272مليار جنيه أي أربعة أضعاف الموازنة العامة..وهو مال بلا صاحب ومتروك للوزير أو المحافظ التصرف فيه كيفما يشاء..فهل يعقل أن تترك الحكومة 1272 مليار جنيه للفساد ثم تقترض من الخارج 8مليارات جنيه..واذا كانت البدائل متوافرة هكذا أمام الحكومة فلماذا لجأت للاقتراض الخارجي..أما السؤال الأهم هو كيف اعتبرت الحكومة أن الاقتراض الخارجي يجب تسجيله لها علي سبيل الاشادة وأن تتضمنه إحدي فقرات خطاب الرئيس في عيد العمال..مرة ثانية:لماذا لم يسأل الرئيس رئيس حكومته ووزير المالية عن سبب اللجوء للاقتراض خارجي وأمامهم بدائل محلية آمنة. (3) السؤال الثالث والأخير..كنا نتمني من الرئيس أن يوجهه لرئيس حكومته ووزير الاستثمار..بعدما أعلن الأخير الأسبوع الماضي إيقاف برنامج الخصخصة بعد إستمرار العمل به طوال 17 عاما وتحديدا منذ عام 93 عندما أعلنت حكومة عاطف صدقي بدء تنفيذ البرنامج..ومنذ ذلك الوقت وكافة الحكومات المتعاقبة دأبت علي اقرار برنامج الخصصة رغم أنه لقي معارضة شديدة من كافة التيارات السياسية علي اختلاف توجهاتها..ورغم ذلك ضربت الحكومات عرض الحائط بكل ماسبق من آراء..وبعدما جري من فساد وسوء تنفيذ لسياسة الخصخصة..خرج علينا وزير الاستثمارمعلنا ايقاف البرنامج..هكذا بعد أن أضاع الوقت والجهد والمال العام..دون أن يفكر مسئول بالدولة محاسبة الوزير علي هذا التصريح. والسؤال هنا هل كان الرئيس علي علم تام بكل هذه التفاصيل..واذا كانت قد بلغت مسامعه..فكيف لم يحاسب الرئيس وزير الاستثمار علي تصريحه الأخير..لو كانت هناك مساءلة حقيقية من الحكم للوزراء في مصر..لتمت إقالة وزراء الري والمالية والاستثمار بناء علي الوقائع الثلاث السابقة..والتي أوردناها علي سبيل المثال لا الحصر. [email protected]