جمعتنى المصادفة بالدكتور جهاد عودة حين كنا ننتظر المشاركة معاً فى برنامج تبثه قناة «الحرة» على الهواء، لمناقشة خطاب الرئيس مبارك. طلبنا من أحد الموظفين نسخة من الخطاب، فسلمنا نسخة تبين لى بعد ذلك أنها تحتوى على نص متخيل كتبه مواطن قبل أن يلقى الرئيس خطابه. أعجبنى النص المتخيل أكثر بكثير مما أعجبنى النص الحقيقى، وبدا لى معبرا بصدق عما يجول فى خاطر ملايين المواطنين. ولأنه كتب بطريقة بالغة الاعتدال، ربما لم تكن لتختلف كثيرا لو الدكتور حسام بدراوى هو الذى كلف بكتابته، قررت أن أشرك القارئ معى فى الاستمتاع به، معتذرا لكاتبه الذى أجهل اسمه.. يقول نص الخطاب: «عمال مصر الأوفياء.. كل عام وأنتم بخير.. كل عام ومصر كلها بخير.. كل عام ومصر ناهضة بسواعدكم متقدمة بإخلاصكم. أيها الإخوة والأبناء: تحية عرفان وتقدير وحب فى عيدكم.. عيد العمل والإنتاج.. عيد العطاء والوفاء.. عيد النماء والخير.. عيد كل مصرى شريف، يكد ويعرق، ويبذل غاية جهده لتعمير الوطن ونفع الناس. تحية عرفان وتقدير لجنود النهضة فى مصر الحديثة، عمالا وصناعا، الذين شيدوا بجهدهم السد العالى، وأقاموا بعرقهم قلاع مصر الصناعية فى فترة الستينيات والسبعينيات، فى حلوان، ونجع حمادى، وكفر الدوار، وغيرها.. والذين بنوا القلاع الجديدة لعدد ليس بضئيل من قلاع الصناعات الحديثة فى الثمانينيات والتسعينيات. ليس هناك من هو أكثر سعادة منى وأنا أقف بين أيديكم الآن فى أول لقاء يجمعنى مع الجماهير بعد عودتى من رحلة علاج شاقة عرفت فيها طعم فراق الوطن وذقت خلالها حلاوة دعائكم، وحرصكم على متابعة رحلتى العلاجية، ضاربين فى ذلك مثلا تتمناه جميع دول العالم. لقد تغير العالم من حولنا على نحو جذرى، بفعل أحداث ومتغيرات متلاحقة غيرت موازين القوى الدولية، وفرضت على الجميع عناصر جديدة ينبغى علينا أن نأخذها فى الحسبان لتأثيراتها المتباينة، سلبا وإيجابا، على أوضاعنا الداخلية بتفاعلاتها المختلفة، وعلى أمننا القومى بصورة مباشرة.. وبكم ومعكم نجحنا شعبا ودولة فى تخطى العديد من الأزمات. أعلم جيدا أننا نعيش ظرفا سياسيا مختلفا، يتطلب كثيرا من الوضوح ومزيدا من الشفافية، ولقد وعدتكم فى يوم مثل هذا أثناء احتفالنا بعيد العمال فى بداية مسيرتنا معا، أننا كدولة مؤسسات سنسعى لتطبيق القوانين بحذافيرها، ولن نتهاون مع أى مخطئ، ولن نتسامح مع أى ضرب من ضروب التسيب والانحراف، ولن ندع أى متاجر بقوت الشعب يفلت من الملاحقة والعقاب، ولن يكون للمحسوبية أى مكان، وأنا مازلت عند وعدى هذا، خاصة أن الفترة الماضية قد شهدت بعضا من التجاوزات والخروج عن المسار الذى نرتضيه. أعلم أن الشارع المصرى غير راض عن أداء حكومته، وأتابع بدقة مظاهر هذا الغضب فى اعتصامات العمال المتكررة وشكواهم المستمرة، ويؤسفنى أن يأتى يوم عيدكم يا عمال مصر، والحكومة مازالت عاجزة عن حل مشاكلكم، يؤسفنى أن يأتى يوم عيدكم والكثير منكم مازال على رصيف مجلس الشعب فى صورة تظل، رغم كل ما نقوله عن الديمقراطية، قاسية. لقد سمعت الدكتور زكريا عزمى، رئيس الديوان، وهو يطالب الوزراء من تحت قبة البرلمان بضرورة التحرك لحل مشاكل العمال المعتصمين على رصيف المجلس، لأن (شكل الدولة بقى وحش)، ولا أعرف إن كان الوزراء والمسؤولون قد سمعوا أم لا؟.. فأنا أعلنها من هنا أننى سأقاتل مع الحكومة من أجل إيجاد حلول سريعة لمشاكل عمال مصر وتدبير الموارد اللازمة لصرف العلاوة الاجتماعية المقررة التى أعلنت عنها قبل أيام، ولن أسمح بأى تخفيض عن نسبتها المقررة ب10%، وسأخوض نيابة عنكم معركة الحد الأدنى للأجور، رافضا، وبكل قوة، تلك الأرقام الهزلية التى تطرحها الحكومة، فأنا، وكما قلت من قبل، سأظل منحازا للمواطن البسيط، إن الظرف الاقتصادى الذى يعيش فيه كثيرون من أبناء الشعب المصرى يفرض علينا رفض أى نقاش حول إلغاء الدعم عن المواد الأساسية، فالدعم سيبقى حقا أصيلا للمواطن المصرى نسعى لتطويره وتنظيمه ووضع الخطط التى تضمن وصوله لمستحقيه، ولكننا لن نقبل أى كلام عن إلغائه أو حتى تقليله».