الأوضاع في مصر لا تشير إلى حصول الاستقرار المنشود الذي ما زال البلد يبحث عنه منذ اليوم التالي لثورة 25 يناير، وعبر حكم المجلس العسكري، ثم نظام الرئيس المعزول، وصولاً إلى النظام الانتقالي الوليد. عدم الاستقرار يخصم من مسيرة مصر الجديدة التي لا تبدو أي ملامح لها في الأفق، فقد تم طي صفحة ما بعد يناير 2011 بكل ارتباكاتها وتشوهاتها، وفتح صفحة جديدة لما بعد يونيه 2013، لكن يبدو أنها الأخرى تسير وبشكل أسرع على نفس طريق الارتباك. إشكالية ما بعد يونيه أعمق وأخطر، إذ أنه عهد جاء على انقسام حاد في المجتمع، وبين النخبة السياسية، وبالتالي فالانقسام يتعمق، والفريقان يسيران في اتجاهين متضادين من دون التقاء، ولو في مدى قريب، ويساعد صانع القرار بما يتخذه من قرارات وإجراءات في الوصول إلى تلك الحالة من الافتراق الذي يأخذ البلد للمجهول، والذي يجعل تحذير كثيرين من أن مصر تسير باتجاه اقتتال أهلية شواهد واقعية، أو على الأقل السقوط في هوة الدولة الفاشلة. خلال فترة حكم المجلس العسكري بدأ الانقسام بين الطبقة السياسية بعد أشهر، وجاء مرسي والانقسام قائم، لكن كان هناك أمل في أن يكون عهده بداية التئام وطني لتحقيق أهداف الثورة فتوارى الانقسام الموروث وقتًا أقل، ثم انتفض من تحت الرماد ليتجذر حتى يطيح بهذا الرئيس عن عرشه، ليأتي نظام انتقالي آخر مبني على أسس الانقسام، وأبرز مظاهره ميادين التحرير والاتحادية للموالاة الجدد الذين كانوا المعارضة بالأمس، ورابعة العدوية ونهضة مصر للمعارضين الجدد الذين كانوا موالاة إلى ما قبل أيام. بل المدهش أن بوادر انقسام وتأزم داخل كتلة الموالاة الجديدة تظهر بعد يوم واحد فقط من بدء نشاطها عندما احتج حزب النور الشريك في تلك الكتلة على المسار السياسي الذي تتخذه, ولا يساعد على تحقيق مصالحة وطنية جادة، بل يميل إلى الانتقام، وكان أبرز نقاط تفجر الخلاف هو محاولة فرض محمد البرادعي رئيسًا للوزراء، علاوة على تململ حملة أحمد شفيق من شركائها في 30 يونيه من محاولات تغييبها عن المشهد والأدوار التي يجري توزيعها، وهي - حسب قولها - توفر الحشد الجماهيري للشركاء. نعم حصلت حشود ضخمة نهاية يونيه وحتى عزل مرسي، ثم انفضت ميادينهم، لكن بقي المعارضون الجدد معتصمين بميادينهم لإعادة رئيسهم الشرعي، فما العاجل إذن للدعوة للحشد مجددًا تحت عنوان الحفاظ على مكتسبات الثورة؟ أي مكتسبات تلك المهددة بالضياع ولم تمر أيام عليها؟ بل ما المكتسبات غير أنهم بلغوا السلطة وبدءوا في هندسة الأوضاع كما يريدون وعلى قياساتهم؟ الدعوة الجديدة للاحتشاد هدفها الحقيقي ملء الشاشات بالمتظاهرين مرة أخرى للتغطية على حشود مرسي التي باتت تستحوذ على الاهتمام والاتساع رغم التعتيم الإعلامي عليها، وحتى لا يبدو أن الصراع بين حشود تريد عودة رئيسها وبين سلطة انتزعته بالقوة الناعمة من على كرسيه، إنما هي بين ثورة شعبية خلعت رئيسًا، وبين جماعة تبدو مع رئيسها في عزلة عن الشعب، فكل طرف يريد إثبات أن الشرعية معه وحده ولو بالإقصاء الكامل للطرف الآخر، ووطن بهذا التفكير والحركة على الأرض لن يقف على الأرض، بل سيغوص في باطنها. لا يهم إن كانت طوابير الطاقة اختفت، أو انتظمت الكهرباء فور عزل الرئيس، فتلك تفاصيل بسيطة، لكن العنوان الأهم وهو الاستقرار الذي تبحث عنه مصر منذ عامين ونصف العام لم تعثر عليه بعد، ولا يريد أن تهب نسماته على بلد ممزق جريح، وبالتالي فالخطر الداهم أن ينزلق وبسرعة أكبر مثل العربة الطائشة إلى مجهول مظلم قد يكون عهد المجلس العسكري، وحتى العام الوحيد لمرسي، أرحم كثيرًا من العهد الجديد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.