شخصية عابدة متصوفة لها تقديرها في الحس الشعبي المسلم، لكنها دخلت تاريخ الثورة المصرية، ولعبة الصراع السياسي بتلك المليوينة الحاشدة للإسلاميين داعمي الرئيس مرسي في الميدان الذي يحمل اسمها في مدينة نصر. أمس الأول الجمعة كان يومًا آخر مشهودًا للإسلاميين بمليونياتهم التي لا يجب أن تخطئها العين السليمة والعقل الحكيم لدى النخبة السياسية بأن يتوقف التصعيد الخطر في الشارع من الجانبين - السلطة والمعارضة - لأنه سيقود البلاد إلى مزيد من التأزيم والتعطيل. مازال هناك وقت للتوصل لاتفاق اللحظة الأخيرة لنزع فتيل أزمة أو كارثة تلوح في الأفق تجهز لها أطراف داخلية وخارجية لن يربح منها أحد، بل الخاسر هو الوطن والشعب المثخن بالآلام والإحباط. كنت أتصور أن مليوينة رابعة العدوية ستكون متواضعة ومجرد حضور خجول، فالإسلاميون باعتبارهم جزءً من الشعب يعانون هم الآخرون من الأوضاع، ويطمحون إلى تحسن الأحوال، لكن من الواضح أن الأيديولوجيات تزدهر في مصر، والاحتقان والانقسام يزيد أصحابها تمسكًا بها، ويجعل كل طرف يرتد صوب بيته السياسي والفكري الأيديولوجي، كما تتراجع فرص التلاقي بين أصحاب الأيديولوجيات في نقطة وطنية وسطية، الفرز صار واضحًا بين معسكرين إسلامي، وآخر خليطًا من اليسار واليمين الليبرالي والعلماني، وفي ظل تلك الأجواء المحتقنة سياسيًا وأيديولوجيًا قد يتلاشى الأمل في التوافق على أجندة وطنية أو قواسم مشتركة، مصر فيها تنوع، ولا يجب التقليل من شأن حزب أو جماعة أو فئة، كما أنه ليس من المصلحة أن يسيطر عليها فصيل أو تيار معين مهما كان حضوره وتنظيمه وتمثيله السياسي والبرلماني لأن العام الفائت أثبت أن الأغلبية لن تحكم وهي مرتاحة، إلا إذا كانت متوافقة مع الأقلية، مسيرة الرئيس شبه معطلة بسبب استمرار المظاهرات ضده، ولو من عدد قليل، السلام الداخلي بين النخبة هو الحل لأنه سينعكس على الجمهور الذي يصطف وراءها، وبالتبعية على المصريين جميعًا. حشود الإسلاميين ستزيد المعارضين حمية للحشد المماثل يوم 30 يونيه، وأتوقع أن يكون كبيرًا أيضًا، ليس لأن المعارضة لها جمهور يعادل جمهور الإسلاميين، إنما لأنها تستفيد في الحشد من أنصار النظام السابق، والأقباط، والفئات العادية من المواطنين المحبطين، رغم أن الرئيس يجاهد لإنجاز شيء ملموس للمواطن، لكن الأزمة معقدة ومتشعبة، فهو يواجه ملفات موروثة تنوء عن حملها الجبال، والبلاد معطلة منذ الثورة، والدولة القديمة، والثورة المضادة نشطة ضده، والمعارضة منذ قبل انتخابه وهي تترصد له وتحاسبه ليس يومًا بيوم، إنما ساعة بساعة، ومع ذلك فهو يتحمل المسئولية كرئيس منتخب كان يدرك صعوبة المهمة، وأن طريقه لن يكون مفروشًا بالورود. الخوف الأكبر هو الاصطدام بين ضفتين متحمستين ومتباعدتين، وهم مصريون تحولوا بفعل النخبة، وشحن الإعلام إلى فرقاء، وهذا غير مسبوق في تاريخ شعب مصر، وهنا تقع مسئولية تاريخية على السلطة والمعارضة بأن تخرج فورًا قرارات شجاعة من الرئيس تلبي مطالب أساسية للمعارضة تتجاوب معها وعلى رأسها تشكيل حكومة من الكفاءات تعمل مع الرئيس لتحقيق ثلاثة أهداف عاجلة هي: الأمن، والاقتصاد، وانتخابات البرلمان. وضع قانون انتخابات يرضي الجميع، وتوقع على مسودته كل الأحزاب، ويقره مجلس الشورى دون تدخل منه. يتوقف الشورى عن التشريع إلا للضروري وهو قانون الانتخابات، وتأجيل أي مشروعات قوانين لديه لمجلس النواب الجديد. الاتفاق على كل وسائل نزاهة الانتخابات مهما كانت حتى الرقابة الدولية ووجود ضابط جيش داخل كل لجنة، وهذا من مصلحة الإسلاميين قبل المعارضين. الإسراع بإجراء انتخابات مجلس النواب لتنتقل إليه سلطة التشريع، وتشكل أغلبيته الحكومة. تشكيل لجنة من فقهاء دستور محايدين لتعديل المواد التي تحتاج لذلك، ويوقع الجميع على ورقة بضرورة تمرير البرلمان الجديد للتعديلات مهما كانت الكتلة الغالبة فيه. تجنيب المؤسسة الأمنية: الجيش، والشرطة، وأجهزة الدولة كافة التدخل من جانب الحزب الحاكم - أيًا كانت هويته - للسيطرة عليها، لكن من حق الكفاءات تولي المناصب دون النظر لانتمائها السياسي. يعيد الرئيس تشكيل هيئة المساعدين والمستشارين من كفاءات وطنية تساعده على حسن الإدارة والحكم الرشيد. هذه قرارات ليست صعبة، ولا تمثل تراجعًا من الحكم لأنها تعكس رغبة شعبية، ومطلوب من المعارضة أن تتوقف عن التصعيد والمزايدات، وأن تهيئ الأجواء للرئيس وحكومته للعمل، وأن تستعد للانتخابات، فذلك أفضل لها من مظاهرات الشوارع، وأخطاء الديمقراطية تعالج بمزيد من الديمقراطية، وليس العصف بها، واستدعاء الجيش، واستمرار الفوضى. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.