طموح حمدين صباحي أن يكون رئيسًا لمصر. يرى نفسه نسخة أخرى من عبد الناصر. التاريخ لا يكرر نفسه، فكل حادثة، وكل حالة، وكل شخص، هو ذاته، وغير قابل للاستنساخ. قد يحدث تشابه أو تقارب بين الأحداث، والحالات، والأشخاص، لكنهم لا يتطابقون، ولا يتماثلون. هناك عبد الناصر واحد، وتجربة حكم واحدة أطلق عليها مريدوه اسم " الناصرية "، وهي بسلبياتها وايجابياتها لا يمكن أن تتكرر، فقد ولدت وترعرت في بيئة محلية ودولية لم تعد موجودة اليوم. ومن يحلم بإعادة إنتاج الماضي فهو ينظر للخلف، ولا يتطلع للمستقبل، ولا يرى المتغيرات الواسعة المعقدة في بيئته، وفي العالم المحيط به. ولو عاد عبد الناصر نفسه للحياة فإنه لن يعيد تطبيق تجربته بحذافيرها، وإلا صار خارج الواقع والمستجدات. صباحي ليس عبد الناصر حتى وإن كان يجيد الخطابة، وصك الشعارات، و"الرطن" حول الفقراء، والشعب المطحون، والعدالة الاجتماعية، وياليته يصير رئيسًا يومًا لنرى كيف سيأتي باللبن والعسل لكل مواطن أمام بيته؟!. ما أسهل الكلام الذي يدغدغ العواطف، ويلعب على مشاعر الجمهور، لكن ما أصعب التنفيذ عندما يصل الخطيب للسلطة، والرئيس مرسي طرح خمسة ملفات خدمية، وتصور أنه سيحلها في مائة يوم، لكن مر عام ولم يتحقق منها الكثير رغم أنها ملفات أقل من أن يتباها رئيس دولة، لكن لأن الوضع في مصر معقد حيث يعيش البلد على إرث ضخم من تراكم الأزمات في هذه الملفات الخمس وفي غيرها فإن أي رئيس يحتاج لمعجزات في الحل الذي ليس مسئوولية أي نظام حاكم بمفرده، إنما المواطن شريك أساسي بأن يتجاوب ويقلع عن السلبية. لماذا يصعب على صباحي أن يكون رئيسًا رغم أنه مسكون بحلم الرئاسة، ولا يريد أن يصدق أنه خسر السباق الماضي في الجولة الأولى؟، لأنه إذا افترضنا جدلًا أن 30 يوينه سيسفر بعد أسبوع، أو شهر، أو أقل، أو أكثر عن انتخابات مبكرة، وترشح شبيه عبد الناصر، فإنه لن يجني الأربعة ملايين صوت التي حصل عليها في ظروف معينة جاءت في صالحه، ذلك أن الساحة الانتخابية ستكون مزدحمة بالمرشحين، وسيكون من بينهم إسلاميون، وأيضًا منتمون للنظام السابق وقد يكون أحمد شفيق مرة أخرى، وهنا وحسب موازين القوى الشعبية ستنحصر المنافسة بين إسلامي، وفلولي، وقد يفوز الفلولي في ظل الهجمة على الإخوان والتي تمتد اليوم لتشمل فصائل الإسلاميين، ورميهم بكل نقيصة، ولي عنق الحقيقة بتحميلهم مسئولية الخراب الذي عاشته مصر طوال العهود السابقة على الثورة، وفي الأغلب سيجد حمدين نفسه خارج المنافسة مرة أخرى ليصطحب خالد يوسف وعدد من أنصاره إلى ميدان التحرير ليهتف معلقًا إخفاقه على شماعة التزوير، ومطالبًا بإعادة الانتخابات، وضرورة عزل الفلول، وهي المطالب التي رفعها في الميدان العام الماضي بعد فشله في الانتخابات. لكن ما الذي تغير بين الأمس - عندما هاجم حمدين الفلول، وطالب بعزلهم، وكان يقصد شفيق الذي حل ثانيًا- وبين اليوم عندما يعلن صراحة تحالفه مع الفلول يوم 30 يونيه، ذلك أن كلامه في هذا الإطار كان واضحًا في حواره مساء الاثنين الماضي مع "دريم" حيث اعتبر أن كل من يتواجد في هذا اليوم حاملًا علم مصر ومطالب المظاهرة فلا يعنيه من هو هذا الشخص، ولا من هو المرشح الذي سبق وانتخبه، ولا من كان يقف معه قبل ذلك، ورأى أن ذلك الأمر مسألة ثانوية هامشية، كما تحفظ على وصف فلول، وهذا تغيير جذري في مواقف الحالم بالرئاسة تجاه أنصار النظام السابق والثورة المضادة لأن المصالح تتغلب على المبادئ طالما هناك حلم رئاسي، والمصالح تفرض عليه، وعلى جبهة الإنقاذ أن يضعوا أياديهم في أيادي أيتام مبارك وتوفير الغطاء السياسي لهم ليكونوا ثوارًا بأثر رجعي، ويمارسوا تعطيل الحياة لو كان ذلك سيعيق الرئيس وحكومته عن العمل وسيسقطهم جماهيريًا. هذا التحالف المصلحي بدأ في سياق الاحتجاج على الإعلان الدستوري في نوفمبر الماضي، فالمعارضة بكل فصائلها من اليمين لليسار لا تملأ ميدان التحرير ولو اجتمعت كلها في وقت واحد، وهي تحتاج إلى حشد جماهيري، وهذا الحشد توفره الثورة المضادة، والهدف أن تزعم المعارضة أنها تمتلك جمهورًا ضخمًا، وليس الإسلاميين وحدهم، وأن الشعب يقف معها، وهذه رسائل برسم الخارج أيضًا. وقد استمر التحالف بين الطرفين المتناقضين لأن فيه طوق النجاة للمعارضة في المظاهرات التي تجهز لها حيث ستواصل الثورة المضادة دورها في توفير الحشود، والتمويل، وأعمال البلطجية لو كان في خطة 30 يوينه اللجوء للعنف لإصابة البلاد بالشلل التام وبالتالي التأثير في الرئيس لإجباره على الاستجابة للانتخابات المبكرة. هو تحالف مصالح مؤقت، وكل طرف له هدفه الخاص فيه، لكن لو جرت انتخابات مبكرة سيكون ولاء الثورة المضادة لرجالها، وليس ل حمدين وقادة المعارضة، لا ننسى أن الصراع بين شركاء الثورة أتاح صعود شفيق في الانتخابات الماضية، وقد يتيح فوزه، أو فوز غيره ممن ينتمون لدولة مبارك في أي انتخابات جديدة، وسيخرج حمدين وكل مشتاق يا مولاي كما خلقتني ليبدأ رحلة نضال جديدة لإسقاط الرئيس الجديد!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.