صرح خبراء إقتصاديون إن المسؤولين سيواجهون تحديات اقتصادية صعبة، ولن يستطيعوا مواجهتها إلا بإحداث توافق مجتمعي وتهدئة الشارع السياسي المضطرب، مشيرين إلى أن نجاح الرئيس المؤقت وحكومته مرتبط بمدى قدرتهما على تطويع أجهزة الدولة. ويواجه الأقتصاد تحديات كبيرة منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن، تتمثل في تراجع معدلات النمو، وانخفاض معدلات الاستثمار خاصة القطاع الخاص، وارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم عجز الموازنة. وأعلن البنك المركزي أمس عن تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البلاد بنهاية يونيوالماضي، ليصل إلى 14.92 مليار دولار، ليفقد نحو 1.1 مليار دولار عن شهر مايو (أيار) الماضي الذي وصل فيه رصيد احتياطي النقد الأجنبي إلى 16.039 مليار دولار. ويوفي معدل الاحتياطي الحالي المستوى المطلوب لتوفير واردات البلاد السلعية لثلاثة أشهر. ووصل عجز الموازنة خلال 11 شهرا من العام المالي الماضي إلى 204.9 مليار جنيه (29.3 مليار دولار)، مقارنة بعجز قدره 136.5 مليار جنيه (19.5 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من عام 2011 - 2012، بسبب ارتفاع المصروفات العامة بنسبة أكبر من الإيرادات. وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة الدكتور رشاد عبده إن رئيس الوزراء المصري المقبل سيواجه تحديات اقتصادية كبيرة وأزمات وفوضى في كل شيء. وتابع عبده: «ليس مطلوب منه خلال الفترة الحالية زيادة معدل الاقتصاد ، الأهم هو وقف نزفه». «الاقتصاد الآن مثل الحجر الضخم الذي كان مستقرا فوق قمة جبل، (الإخوان) أعطوه دفعة لأسفل. يجب أن نلحقه قبل أن يصل إلى المستويات الدنيا، ثم نبدأ في رفعه مرة أخرى. إيقاف نزف الاقتصاد ومعالجة الخلل به هو الأمر العاجل حاليا»، كما يصف عبده وضع الاقتصاد حاليا. وأشار عبده إلى أن الوزارة المقبلة يجب أن تستعين بخبراء إقتصاد لرسم سياسة اقتصادية عاجلة قصيرة الأجل، تتضمن مجموعة من مشروعات القوانين الجديدة لجذب الاستثمارات وإزالة كل معوقاتها الحالية، مشيرا إلى أن التوافق المجتمعي الآن مهم لإيقاف المظاهرات والاحتجاجات والمطالب الفئوية، و«هذا يجب أن يكون على رأس أولويات رئيس الوزراء المقبل» وفقا لتقرير أعدته جريدة. وتم تأسيس حساب برقم «306 - 306» لتلقي أموال من المواطنين لدعم الاقتصاد المصري، وأعلن مستثمرون أنهم سيتبرعون بملايين الجنيهات للصندوق. ويرى عبده أن التبرع لدعم الاقتصاد شيء جيد، «لكنه لا يدعم الاقتصاد، ولو حدث وتلقينا تبرعات مالية كبيرة، فسيكون تأثيرها قصير الأجل. العمل وزيادة الاستثمارات هو الداعم الوحيد للاقتصاد المصري». وقال عبده إن بلاده قد تحصل على مساعدات من عدة دول عربية، ولكن تلك الدول لن تقوم بذلك إلا إذا شعرت أن البلاد تتحرك في الاتجاه الصحيح. وقال مسؤول بأحد البنوك الحكومية رفض ذكر اسمه، إن أكبر التحديات التي تواجه رئيس الوزراء هي الدولة العميقة، ومدى إستعداد أجهزة تلك الدولة لمساعدته، وتابع: "هذا بالطبع سيحدث إذا تمت حالة من التوافق المجتمعي بين المصريين، هذا سيجعل الجميع على أتم الاستعداد لمد يد العون، وهذا سينعكس إيجابيا على الاقتصاد". ويرى المسئول أن التوجه السريع نحو بناء المؤسسات ووضع الخريطة المستقبلية لمصر وتحديد جدول زمني للفترة الانتقالية، سيدعم رؤية المستثمرين في السوق، وسيؤتي ثماره على الاقتصاد. وطالب نائب رئيس الجمعية للتمويل والاستثمار محسن عادل بتشكيل مجلس اقتصادي لتقديم الاستشارات الاقتصادية لرئيس الجمهورية، بحيث يقوم بإعداد الاقتراحات حول الاتجاهات الرئيسة للتنمية الاقتصادية الاجتماعية لمصر، ويحدد استراتيجية وطرق تنفيذها، وأن يضم المجلس كل المسؤولين وممثلين عن رجال الأعمال وعددا من الخبراء المصريين في مجالات الاقتصاد والتمويل والتخطيط والطاقة. وقال إن من الأولويات لهذا المجلس التي يمكن أن تساهم في استعادة جانب من زخم النمو، الاهتمام بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي توظف العدد الأكبر من العاملين في مصر، "فهذه المشاريع تعاني صعوبات كبيرة في التمويل والوصول إلى الأسواق، ويمكن أن يساهم تخصيص جانب من التسهيلات الائتمانية لهذا النوع من المشاريع في تخفيف الضغط على الحكومة ويلجم الحاجة إلى مزيد من النفقات العامة". وتابع: "الملف الاقتصادي بدءا من أزمة المواصلات والمرور وانتهاء بتراجع رصيد العملات الأجنبية سيكون هو الأكثر حضورا أمام الرئيس الجديد الذي يحتاج إلى التحرك سريعا". وأشار إلى أن مصر تمتلك بدائل استثمارية عريضة؛ على رأسها القوة الاقتصادية للمصريين في الخارج الذين يمكن ربط دعمهم للاقتصاد المصري باستثمارات محددة إلى جانب إمكانية طرح صكوك تمويل بعملات أجنبية لتمويل مشروعات تنموية. وأوضح أنه من البدائل الاقتصادية حاليا تحصيل الضرائب المتأخرة وترشيد الإنفاق الحكومي مع وضع خطة تحفيزية لاستغلال ودائع القطاع المصرفي في بدائل تنموية آمنة، وإعادة النظر في الأصول الحكومية غير المستغلة، وتشغيل المصانع المعطلة، وتحويل قناة السويس إلى منطقة اقتصادية للخدمات اللوجستية عالميا، بالإضافة إلى إعادة النظر في الحوافز الاقتصادية والضريبية، وربطها في الأساس بمؤشرات العائد الاستثماري والقيمة المضافة