طلبُ القضاة الحاليين في المحكمة الدستورية العليا بأن يشارك أفراد القوات المسلحة والشرطة في التصويت في الانتخابات بما يترتب عليه إتاحة بيانات القوات المسلحة على العالمين هو أمر مرفوض قولًا واحدًا، ولو أن أمهَرَ أطباء العالم نَصَحَ إنسانًا بأن يلقي نفسه من فوق البرج، أو أن يشعل النار في نفسه بحجة أن ذلك الأصح لسلامة جسده، فمن المؤكد أن هذا الطبيب أحد رجلين؛ إما مجنون أو له مصلحة في هلاك ذلك الإنسان، ولا يشفع له كونه طبيبًا كبيرًا ولا مستشارًا خبيرًا. ولكن المستبعد حقًّا هو أن ينصاع ذلك الإنسان لتلك النصيحة الغبراء المهلكة. لقد وضع هؤلاء القضاة البلاد في مأزق حقيقي. لقد استند القضاة الحاليون في المحكمة الدستورية إلى جزء من المادة (55) من دستور 2012 ونصه (مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطني؛ ولكل مواطن حق الانتخاب، والترشح، وإبداء الرأي في الاستفتاء. وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق)، وقد غاب عن هؤلاء القضاة أربعة أمور مهمة: الأمر الأول: أن المادة تنص على دستورية ما ينظمه القانون في هذا الشأن، وعدم تصويت أفراد الجيش والشرطة هو مما ينظمه القانون، ولا تناقض بين أن تعطي هذا الحق الدستوري لآحاد الناس وأن تمنع عنه جهة كاملة دون تفرقة بين أفرادها لمصلحة عموم الناس. الأمر الثاني: أن دستور 1971 لم يزد شيئًا على المادة المذكورة في دستور 2012، وقد ارتضت المحكمة الدستورية قبل ذلك منع أفراد الجيش والشرطة من المشاركة في الانتخابات وهذا نص المادة (62) من دستور 1971: (للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقًا لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني). فما الذي تغير ليغير القضاة رأيهم..؟! الأمر الثالث: أن رد المحكمة الدستورية للقانون في المرة الأولى لم يشر إلى هذه النقطة مطلقًا، مما يثير الشك في أن إثارتها له في هذه المرة ليس أمرًا دستوريًّا، وإنما هو أمر سياسي يتعلق بحسابات خارج العدالة. الأمر الرابع: وهو أخطر ما في الموضوع؛ أن ديباجة دستور 2012 والتي هي جزء منه –ولا أظن السادة القضاة اهتموا بقراءتها- تنص في النقطة الثامنة على الآتي: (الدفاع عن الوطن شرف وواجب؛ وقواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل فى الشأن السياسي، وهي درع البلاد الواقي). وهذا نص واضح وصريح في دستور 2012 بعدم تدخل القوات المسلحة في الشأن السياسي، والانتخابات من أبرز أعمال الشأن السياسي الذي تشمله هذه النقطة. ألا يكون قضاة المحكمة الدستورية قد خالفوا الدستور بذلك مخالفة واضحة، وفي أمر يتعلق بالأمن القومي، بصورة فيها من الفجاجة ما يجعلنا ننادي بسقوط هؤلاء القضاء شعبيًّا..؟! كيف الخروج إذن من هذا المأزق..؟ لدينا قضاة في المحكمة الدستورية يخالفون الدستور، ويثيرون البلبلة، ويعرضون الوطن لخطر حقيقي، ولدينا إعلام يساندهم، ورئيس متهم بموالاة جماعة الإخوان المسلمين دون باقي الشعب، وستظل هذه التهمة حتى لو لم يقم عليها دليل. كيف الخروج إذن..؟ إن الحقيقة القوية التي لا يشك فيها أحد، أن الشعب موجود ولم يمت، وهو بحكم الدستور مصدر السلطات وفوقها جميعًا، وهو قادر على حسم قضاياه رغم أنف كبار القضاة؛ وأول ما ينص عليه دستور 2012: (الشعب مصدر السلطات؛ يؤسسها، وتستمد منه شرعيتها، وتخضع لإرادته، ومسئولياتها وصلاحياتها أمانة تحملها، لا امتيازات تتحصن خلفها(. فعلَى الرئيس مرسي أن يدعو لاستفتاء عام وعاجل حول عودة مجلس الشعب المنتخب لحين إجراء انتخابات أخرى، خاصة وأن العلة التي تم حله بسببها انتفت بموجب الدستور، ولا يوجد أي مبرر لتعطيل البلاد من أجل إرضاء بعض القضاة الذين ثبت تجاوزهم للدستور، وإذا وافق الشعب على عودة مجلسه فلينجز كل القضايا والقوانين التي من شأنها إحكام الأمور. فالبلاد لا تحتمل هذا الجدل الدائر ليل نهار والذي لا يجلب غير الفقر والدمار. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.