يبدو أن حملة إبادة السنة في القصير بريف حمص وسط سوريا والاشتباكات الطائفية المتصاعدة في طرابلس شمالي لبنان, هي شرارة الحرب الطائفية الإقليمية التي خطط لها النظام السوري وحلفائه لتوسيع دائرة الصراع في المنطقة وقلب الطاولة على الجميع. وكان القتال الطائفي في مدينة طرابلس شمالي لبنان تجدد منذ 18 مايو بعد أيام قليلة من بدء النظام السوري بمساعدة حزب الله اللبناني حملة إبادة ضد السنة في مدينة القصير على الحدود مع لبنان, ما أسفر عن مقتل 23 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 200 آخرين بجروح. ورغم أن طرابلس شهدت أعمال عنف طائفية متفرقة منذ اندلاع الثورة السورية قبل أكثر من عامين بين منطقة باب التبانة ذات الأغلبية السنية المؤيدة للثورة السورية ومنطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية المؤيدة للنظام السوري, إلا أن سكان طرابلس أكدوا أن القتال الأخير كان الأشرس من نوعه. وذكرت صحيفة "اشنطن بوست" الأمريكية في تقرير لها في 24 مايو أن طرابلس أصابها الشلل خلال الأيام الماضية جراء إطلاق النار المتبادل بين السنة بباب التبانة والعلويين بجبل محسن. وأضافت الصحيفة أن السنة بباب التبانة يتهمون النظام السوري بإصدار توجيهات للعلويين بطرابلس لإثارة التوتر بها, حتى لا يتحرك السنة هناك إلى سوريا للقتال مع المعارضة في معركة القصير. وتابعت الصحيفة "رغم أن تبادل إطلاق النار بين السنة والعلويين بطرابلس يحدث من وقت لآخر، فإنه اتسم هذه المرة بكثافة غير معهودة من قبل", ونسبت لمقاتلين بالمدينة من السنة قولهم :"كل ما يجري بطرابلس هذه المرة سببه القصير". وكانت المدارس والمحال التجارية قد أقفلت أبوابها بطرابلس, بينما بدت الحركة شبه مشلولة بالشوارع، كما أن رصاص القنص يقطع الطريق الدولي المحاذي للمدينة، والذي يربط شمال لبنان بسوريا. واتهم السنة في باب التبانة العلويين في جبل محسن بإثارة الاضطرابات الجديدة والاستفادة من دعم سوري وآخر من حزب الله اللبناني، بينما زعم العلويون أن مسلحين بالمناطق السنية هم من بادروا بالهجوم. وقال شهود عيان في طرابلس إن الجيش اللبناني نشر قوات لحراسة المنطقتين, اللتين اندلع بهما القتال، فيما قال سياسيون محليون إن جهود عقد اجتماع وبحث اتفاق لوقف إطلاق النار أخفقت حتى الآن، حيث يتهم كل جانب الآخر باستخدام طرابلس قاعدة لإرسال مقاتلين وأسلحة إلى سوريا. ومن جانبها, ذكرت قناة "الجزيرة" أن الاشتباكات الجديدة في طرابلس جرت بكافة أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقذائف المورتر, هذا فيما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المسئول الأمني في منطقة القبة بطرابلس أمين القبوط قوله :"تتعرض أحياء آمنة في طرابلس منذ 18 مايو لقصف لم نشهد مثله في جولات المعارك الماضية"، وأضاف "المرة الأخيرة التي حصل فيها قصف مماثل كانت في 1985، ولو أنه استخدم راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة آنذاك". وتابع "المعارك الأخيرة تعتبر استكمالا لحرب 1985 التي شنتها سوريا على السنة في طرابلس إبان وجودها العسكري في لبنان، والجهة السياسية التي تخوض الحرب هي نفسها، أي الحزب العربي الديمقراطي الذي يمثل غالبية العلويين في لبنان، ويتهمه المسلمون السنة بالبدء بالمعارك". وبدوره, شدد رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي على ضرورة تصدي الجيش اللبناني للتجاوزات الأمنية التي تستهدف طرابلس، ووصف ما يجري فيها ب"الجريمة بحق المدينة وأهلها الآمنين"، قائلا:" إن المدينة تحولت إلى ساحة لتنفيس الاحتقان في لبنان والمنطقة, وهناك مؤامرة تستهدف في أحد جوانبها إخراج الجيش من طرابلس, وإخلاء الساحة للقتال الذي ينتج موتا مجانيا بحق أبناء المدينة". وتابع ميقاتي "المسئولية جماعية في وقف انزلاق طرابلس إلى الواقع المرير, الذي عاشت أبشع صوره خلال الأيام الماضية، وليس لدينا خيار سوى الرهان على الجيش اللبناني من أجل وقف هذا الجنوح العنفي الطائفي, الذي يقضي على مستقبل طرابلس". ويبدو أن الأسوأ مازال بانتظار مدينة طرابلس الساحلية, حيث تحاصر قوات الأسد مدعومة بعناصر من حزب الله القصير على الحدود مع لبنان منذ منتصف مايو من أجل استعادة السيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية, التي تقع على الطريق بين دمشق والساحل السوري, حيث معقل آل الأسد وطائفته العلوية الشيعية. ولعل ما يرجح تصاعد العنف الطائفي في طرابلس, أن أنقرة كانت اتهمت أيضا المخابرات السورية بالتورط في التفجيرين اللذين هزا في 11 مايو بلدة الريحانية بمحافظة هاتاي في جنوب تركيا على الحدود مع سوريا, وأسفرا عن مقتل أكثر من أربعين شخصا وإصابة نحو مائة آخرين. وبصفة عامة, فإن هناك مخططا جديدا لنظام الأسد بمساعدة إيران وحزب الله يستهدف تحويل الصراع في سوريا إلى حرب طائفية ذات بعد إقليمي وحتى عالمي, خاصة بعد استعانته مؤخرا بآلاف المقاتلين الشيعة من لبنان والعراق وباكستان والهند وأفغانستان.