تعتبر الدعوة إلي تطبيق الشريعة الإسلامية هي أوسع الدعوات إنتشاراً في ربوع العالم الإسلامي. ومع صعود الإسلامين إلي سدة الحكم ومراكز صنع القرار في العالم الإسلامي بعد ثورات الربيع العربي، تعالت الأصوات من جديد بالعودة إلي الشريعة الإسلامية كمرجعية عليا للمجتمع. غير أن هذه الدعوة على الرغم من شيوعها وانتشارها، ينتابها الكثير من الغموض والضبابية حتى أن البعض يتصورها فكرة خيالية أو على أقل تقدير فكرة مثالية فلسفية لا تمت للواقع المعاصر بصلة! وعلى صعيد آخر ينتاب بعض الناس هواجس بخصوص الشريعة، وإذا ذُكرت كلمة الشريعة إلا ويُتصور معها الشدّة والقسوة والتعسير والتضيق .. وكل ذلك من مقررات مدرسة الشيطان (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) – البقرة 268 -. والطامة الكبرى – بحق وبلا مبالغة – حينما يُوجه إلي بعض دعاة تطبيق الشريعة عن مضمون الشريعة .. وماذا يقصدون بتطبيقها، فلا نجد عندهم إلا كلام مرسل.. يتيه الإنسان في فهم مراميه .. واستيعاب حقيقته. بادئ ذي بدء .. لابد أن نوضح معنى كلمة الشريعة، فما هي الشريعة ؟ الشريعة فى اللغة وردت بمعنيين : الأول : الطريقة المستقيمة ومنه قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) -الجاثية 18 -. الثانى : مورد الماء الجارى الذى يقصد للشرب منه ، ويقال شرعت الإبل ، إذا وردت شرعة الماء،ومنه الشارع لأنه طريق إلى القصد. وشرعا : الشريعة هى الأحكام التى سنها الله للعباد عن طريق واحد من أنبيائه . فالشريعة اليهودية مثلا هى الأحكام التى سنها الله للعباد عن طريق موسى عليه السلام ، والشريعة الإسلامية هى الأحكام التى سنها الله للعباد عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم. وقد سميت هذه الأحكام شريعة ، لأنها مستقيمة محكمة الوضع ، لا ينحرف نظمها ، ولا تلتوى مقاصدها ، فهى كالجادة المستقيمة ، غير المعوجة ، كما أنها شبيهة بمورد الماء فكما أن فى الماء حياة الأبدان فإن الشريعة بها حياة النفوس وسعادتها. وحقيقة الأحكام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم تتألف من ثلاثة أمور .. بيّنها النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث المشهور فى الصحيحين عن عمر بن الخطاب قال : ( بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ) – رواية الإمام مسلم - . فهذا الحديث الذى دارت أحداثه بين الأمينين ، أمين السماء جبريل – عليه السلام - ، وأمين الأرض محمد – صلى الله عليه وسلم – فى شرح وبيان حقيقة الدين .. دلّ على أن أحكام الشريعة تتكون من ثلاثة أحكام رئيسية : أولاً : الأحكام الإعتقادية : الجانب النظرى أو العلمى فى الإسلام .. وهو علم العقيدة أو الإيمان أو أصول الدين ، ويقوم على ستة أركان وهى ( أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ) . ثانياً : الأحكام العملية : الجانب العملى أو التطبيقى فى الإسلام .. وهو علم الفقه أو فروع الدين ، ويقوم على خمسة أركان رئيسية (أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) . ثالثاً : الأخلاق : الجانب السلوكى .. وهو علم الأخلاق وركنه الأعظم الإحسان وقوام الإحسان (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) . أما السؤال الرابع والأخير فى هذا الحديث فهو يدخل ضمن الأحكام الإعتقادية ..فى ركن الإيمان باليوم الآخر، وأُفرد له سؤال خاص للعناية بشأنه وبيان أهميته . وإن كان هناك بعض الباحثين يرى أن هذا السؤال يؤصل علماً رابعاً ،وهو علم سنن التاريخ أو علم أشراط الساعة – ولهذا مقام آخر- . يتبع ،،، [email protected] HossamGaber.BlogSpot.Com والله من وراء القصد أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]