يقول صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال وقلتم في إحدى فتاويكم بأنه يجب الإبقاء على اللحية حتى لو لم تكن جميلة وذلك لاعتبار شرعي، وهذا اعتراف منكم بأن اللحية قد تكون غير جميلة، فما هذا التناقض الكبير؟ وهل الجمال هو مجرد شعار يرفع في الإسلام؟ الإجابة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فاعلم أيها السائل أولا هدانا الله وإياك إلى سواء السبيل أنك تسير في طريق مظلم بالشبهات التي يلقيها الشيطان في قلبك, فكثير من أسئلتك تدل على عدم إيمانك بالشريعة وأنك شاك في الدين، والشيطان حريص على إضلال العباد فيلقي في قلوبهم الوساوس والشبهات، ولكن الذي يتأثر بتلك الوساوس والشبهات صنفان من الناس, أول هذين الصنفين من في قلبه مرض من شهوة أو شبهة, والثاني صاحب القلب القاسي, وهذا ما دل عليه قوله تعالى في سورة الحج: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ {الحج:53}. وأما من طهرت قلوبهم بالطاعات فقد تعالوا عن التأثر بتلك الوساوس والشبهات ووصلوا لدرجة اليقين، وهؤلاء هم المعنيون بآخر الآية السابقة: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. فندعوك إلى التوبة إلى الله تعالى واللجوء إليه أن يطهر قلبك ويلينه، واعلم أنه ليس ثَم تناقض بين القول بأن الله يحب الجمال وبين القول بعدم جواز حلق اللحية إذا كانت غير جميلة, فالله الذي يحب الجمال أمر بإعفاء اللحية ولم يشرع حلقها إذا كانت غير جميلة, فلو كان حلقها مشروعا إذا لم تكن جميلة لبينه الله لنا: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا {مريم:64}. ثم إن ما يراه الناس غير جميل من الخلقة هو عند الله تعالى حسن، وقد قال تعالى عن نفسه جل وعلا: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ { السجدة: 7}. وروى الإمام أحمد في المسند من حديث الشَّرِيدَ الثقفي رضي الله عنه قال: أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَجُرُّ إِزَارَهُ فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ أَوْ هَرْوَلَ فَقَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، قَالَ إِنِّي أَحْنَفُ تَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ، فَقَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ، فَإِنَّ كُلَّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ . ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَمْرو بْن زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيّ فِي حُلَّة إِزَار وَرِدَاء قَدْ أَسْبَلَ وحثه على رفع إزاله، قال عمرو: يَا رَسُول اللَّه إِنِّي حَمْش السَّاقَيْنِ، فَقَالَ: يَا عَمْرو إِنَّ اللَّه قَدْ أَحْسَنَ كُلّ شَيْء خَلَقَهُ. والحديث رواه الطبراني. ولذا، فإننا نقول لمن يحلق لحيته بحجة أنها غير جميلة لا تحلق لحيتك فإن خلق الله كله حسن. والله أعلم.