كان شتاء عام 2009 أو قبل ذلك أو بعده بقليل ، و بينما أسير مع صديقي الذي يتحاور معي حول الأوضاع الحالية ، قلت له بشرود : - الجيش سيف الملك ، و الملك عزم كبار الظباط عشان يحتفل بولي العهد ، و القاهرة ولعت و الفساد و الظلم زادوا و الناس طفحت ... فقاطعني صديقي ساخرا : - إيه يا عم ؟ انت رجعت ستين سنة لورا و لا إيه ؟ - مش شايف سيادتك ان هو ده اللي بيحصل دلوقت مع بعض الاختلافات ؟ أنا مش متوقع ان مبارك ممكن يتخلع ، لكن التاريخ بيقول حاجات كتير ماتعديش الا ع الكسلان عن التفكير ف أحداثه - مش فاهمك ! يعني انت متوقع ثورة و لا مش متوقع ؟ - أنا ممكن أتوقع ثورة ف الظروف العادية لشعب غير الشعب المصري ، لكن مع الشعب ده مش قادر اتخيله ثائر ، و ماتنساش ان انقلاب يوليو الجيش هو اللي قام بيه و الشعب سقفله بس فسكت صديقي متدبرا في كلامي ، إلا أنني لم أكن لألومه لو توقع أي شيء أو حتى ألقى كلامي في صفيحة مهملات عقله ، فما أكثر التكهنات و ما أقل الصادق منها ، و بطبيعة الحال لم ننتظر طويلا و اندلعت ثورة أطاحت بفرعون رسخ على كرسيه لثلاثين عاما ، و تذكرت نبوءة لشاب يعمل بسنترال قال فيها و قد جرؤ على مالم أجرؤ عليه : - عارف يا باشا ، البلد دي هتقوم فيها ثورة فقد تنبأ ذلك الشاب البسيط بما سيحدث واضعا في إعتباره معطيات مجردة عن واقع أليم مرير من الظلم و الطغيان و الفساد ، تنبأ به دون أن يضع طبائع البشر في حساباته ، فالبشر من شعب لآخر قد تتفاوت قدراتهم على تحمل الظلم و الانصياع للحاكم ، و على النقيض من المصريين نجد الشعب العراقي و قد حكى تاريخه و روى أنه شعب لم يستطع تسيير أموره و صنع دولة مستقرة مثل شخصيات دموية متجبرة ، كالحجاج بن يوسف الثقفي في عهد الخلافة الأموية و صدام حسين في العصر الحديث ، إلا أن اتساع طاقة الشعب المصري على التحمل لا يعني أن تلك الطاقة بلا نهاية ، و بالثورة الأخيرة أثبت الشعب خطأ نظرية أنه لا يثور . هذا عما مضى ، فدعونا ننظر لما هو آت ، أو لنقل ما مضى في التاريخ و يحدث الآن و يتوالى ككرة الثلج . جاء العدو من الشرق و احتل بغداد و عاث فيها فسادا ، و اليوم يطول الخراب دمشق و تسيل فيها الدماء أنهارا ، و بينما يقبع التتار بالعراق و الشام ، يتحين الصليبيون الهجوم من الشمال ، و الأمر في مصرنا الحبيبة على غير ما يرام ، فبعد وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب بدأ الصراع على السلطة ، و افتتح بقتل شجرة الدر لتوران شاه وريث الملك الراحل ، ثم قتلها أيضا لفارس الدين أقطاي للتخلص من شره و شر المماليك البحرية اللذين يتبعونه ، و بعد ذلك تزوجت من عز الدين أيبك لتقتله بعد أن تسلط عليها و طغى ، لتُقتَل هي نفسها ، و يؤول الحكم إلى سيف الدين قطز أو الأمير محمود بن ممدود ، و في رحلة صعود قطز تتمكن مصر من الانتصار على الصليبيين ، إلى أن بدأت أطماع التتار تتجه إليها و يقوم قطز بصدهم و دحرهم ، و يتولى خليفته بعد ذلك الملك الظاهر ركن الدين بيبرس بإجلاءهم عن الشام و استئصال شأفتهم. جميل هو التاريخ ، كأنك تقرأ أحداث اليوم ، فتتار العصر و صليبيوه هم نفس القوة الموجودة حاليا و هي الولاياتالمتحدةالأمريكية ، و بعد أن احتلت العراق و عاثت فيها فسادا ، كانت تتحين للاستدارة إلى سوريا و الانقضاض عليها لولا اندلاع الثورة و ظهور عدو أكثر خطورة يمكن أن يسيطر على مقاليد الأمور بها و يكون عقبة حقيقية في طريق الأحلام الأمريكية ، فالثورة السورية تمخضت عن قوة مجاهدة ذات طابع إسلامي لن تقبل أن يكون سقف طموحاتها أقل من استرداد القدس و المسجد الأقصى ، فأصبح نظام الأسد هو أخف الضررين على المشروع الصهيوني الصليبي ، و في ذات الوقت تتابع الولاياتالمتحدة الصراع على السلطة الذي يدور بمصر ، فإلى اليوم لم يتمكن طرف في الصراع من فرض سطوته و السيطرة على الأمور ، و حتى جماعة الإخوان المسلمين لم تتمكن من السيطرة الكاملة برغم توليها الرئاسة ، فلازال الجيش محايدا – أو يبدو كذلك – و لا تزال الكثير من سلطات الدولة عصية على التعاون مع النظام الجديد بعد نشوءها في ظل نظام قمعي فاسد ، و لا يبدو لي أن الرئيس مرسي سيبقى طويلا ، فحتى لو استمر لنهاية فترة حكمه سيكون ذلك قد استغرق وقتا يكفي لقلب البلد كلها عاليها سافلها ، و لو انتهت بفعل القلاقل و الفتن فستكون النتيجة واحدة و هي صعود قطز المنتظر لسدة الحكم ، و لكننا بطبيعة الحال لا يمكننا معرفة من هو قطز العصر الذي سينتشل البلاد من محنتها و إنهاء ذلك الوضع المأساوي الاستثنائي في تاريخ مصر . قد يكون كل ذلك تكهنات لا تصح في النهاية ، أو لنقل تخاريف ، فأيا ما كانت دعونا ندعوا الله لبلدنا أن ينقذها من تلك المحنة . أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]