فى أحد تصريحاته، هدد رئيس جهاز المخابرات ونائب رئيس الجمهورية السابق عمر سليمان من حدوث انقلاب، ولما سئل عن ذا الذى سيقوم به، أورد الشرطة من ضمنهم. كانت تلك مثارًا لسخرية البعض، فهل تستطيع الشرطة التى انسحبت من الشوارع فى 28 يناير 2011 القيام بانقلاب عسكري، عدا أن الانقلابات يقوم بها فى العادة عسكر ينتمون إلى الجيش. المعنى يبدو أنه كان فى بطن الشاعر وليس فى ظاهر كلمات الراحل عمر سليمان، فبعقليته الاستخباراتية وبالمعلومات التى لديه تنبأ بما يمكن أن يتسبب فيه غياب الشرطة فى ظل محاولات مستميتة جرت، وما زالت تجرى لإخراجها من معادلة الأمن تماما والقضاء عليها. اليوم مرسى فى فوهة هذا الخطر، فما يحدث من عصيان بين الشرطة وقوات الأمن المركزى وعدم تنفيذ أوامر القيادات والانسحاب من الشوارع وإغلاق الأقسام، يعنى أن أهم مؤسسة قوة يعتمد عليها النظام انفضت من حوله بسبب سياساته وإدارته الخاطئة التى لا يريد الأنصار الاعتراف بها، متفرغين لتوجيه الشتائم والألفاظ النابية لأى ناصح، مغترين بغرور وهمى بأنهم سينزلون لاحقا إلى الشوارع فى ثورة إسلامية جارفة إن حدث انقلاب على مرسى ونظامه. عصيان الشرطة يتوسع كالنار فى الهشيم، ويكاد يقول إن رأس النظام أينعت وحان وقت قطافها، لكن رئيس الجمهورية وحكومته ومن معه فى القصر يعانون من غياب وانفصال شبكى عن الواقع، لا يرون إلا ما يرى أنصارهم الذين باتوا كائنات افتراضية فى الفيسبوك وتويتر والمواقع الإلكترونية. الاضطرابات الاحتجاجية اجتاحت ما يزيد على 13 محافظة، لكن كلها كوم وعصيان أو تمرد الشرطة كوم ثان، لا يستطيع أى نظام أن يصمد أمامه عدة أيام. الشرطة لا تعصى الأوامر إلا بمطلب مستحق وهو تزويدها بسلاح تدافع به عن نفسها، لكن مرسى يحرمها منه، بل يسمح بالزج بأفرادها إلى السجن دون مراعاة أنهم فى حالة حرب حقيقية بما تفرضه من ظروف استثنائية. مطلوب منها أن تكبح عارية الصدر منزوعة السلاح جماح مظاهرات مسلحة وبلطجية عتاة، وإذا تسببت فى مقتل بلطجى فأفرادها معرضون للسجن، كما حدث لسائق المدرعة الذى اصطدم بمتظاهر فدهسه عندما كان يحاول الهرب بمدرعته من جحافل بلطجية أرادت قتله. عصيان الشرطة يعبر عن حالة غضب عارمة، فكيف يريدهم مرسى أن يحموا المنشآت العامة والخاصة من النهب والحرائق، وليس فى أيديهم ما يدافعون به عن أنفسهم من هجمات الأسلحة البيضاء كما حدث فى ميدان التحرير لما فضوا الاعتصام لساعة واحدة، ثم أصدرت وزارة الداخلية الأوامر لهم بالانسحاب سريعا أمام أسلحة البلطجية. انسحاب الشرطة والأمن المركزى يعنى ببساطة أنه لن يكون هناك أمن فى أى بقعة، والبيوت عرضة للاقتحام فى أى ساعة، والمصارف والبنوك والمحلات للنهب والسلب، والأعراض ستكون فريسة سهلة، وأن مرسى تحول إلى رئيس لدولة فاشلة بمعنى الكلمة. الخطوة التالية قد تأتى من الجيش الذى يجد نفسه فى وضع لا يحسد عليه، وليس خافيا أن هناك غضبا يسرى داخله بسبب أخطاء معالجة الرئاسة للأوضاع الملتهبة. من السذاجة أن نتصور أن اللجان الشعبية ستغطى اختفاء الشرطة من الشوارع. ذلك كان مهضوما أيام ثورة ميدان التحرير ضد مبارك، لكن الآن الأوضاع تغيرت، فهناك العديد من الميليشيات المسلحة والقوى السياسية المستعدة لخلق كانتونات مستقلة ذات سيادة. متى تخرج الرئاسة من غيابها؟ ومتى يكف الأنصار عن تصوراتهم القاصرة للأوضاع؟.. الحل لن يكون كبش فداء لا نعرف سبب التضحية به وهو مدير أمن بورسعيد السابق، فهو مجرد منفذ لسياسة عمياء لا ترى شيئا وتتخذ قراراتها بطريقة حادى بادى كرنب زبادي. [email protected]