حالة من الاستقطاب السياسي الحاد تمر بها مصر، أقل ما يقال عنها أنها سياسات طفولية لا تستهدف التحرك للأمام، فلقد أصبح كل طرف من أطراف المعادلة السياسية لا يطيق للآخر ذكرًا أو ترديدًا؛ فحينما تسمع الخطابات الاستعراضية الهوجاء والتناقض الوقح بين القول والفعل الذي يصدح به الساسة في بلادنا العليلة بهم، تستشعر بأنك في وطن كل شيء فيه مبهم، مسخت فيه الوطنية وبات غريبًا ما بين أحلام مؤجلة وإدارة منكسرة؛ واقع موجع اتجهت أفكاره نحو السلبية والعنف، والمواطن المسكين يصارع كل التوجهات في ظل ظروف اقتصادية مُرة لا ترتقي بمن يكابدون معاناته إلى الحياة الإنسانية . ليت المشكلة تكمن في حكم الإخوان الفاقد لمعيار الكفاءة والقدرات أو حتى الممارسات الفاسدة للمعارضة المحنطة والمنكفئة على شعاراتها وقياداتها الذين بلغوا أرزل العمر والفكر والسلوك، لو أنها اقتصرت فقط على تلك القوتين لكان الأمر هين، ولكن حقيقة الأمر هو أننا مازلنا نواجه الدولة العميقة التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق الثورة وأهدافها من خلال افتعال الأزمات والمشاكل الحياتية اليومية، وذلك من خلال جهازها الإداري المتكون من شبكة مصالح مترابطة تختزن في ذاكرتها العناصر المحسوبة على النظام السابق التي تقف وراء الانفلات الأمني والإعلامي اليوم. ما من ثورة إلا وخلفها طغيان يقاومها وهذا أمر طبيعي في أعقاب الثورات والأحداث التاريخية الكبرى، ولكن يجب علينا ألا ننكر أن الأخطاء المتكررة هي التي تساعد على القيام بالثورة المضادة، وتمهد لها الطريق وتيسر عليها المهمة، بل وتمددها بالوقود اللازم في أوقات كادت فيه تندثر ويسقط مخططها، وبلا شك أن المراهنة على عامل الوقت، والتباطؤ في اتخاذ القرار، وعدم الشفافية في الحديث، ونكص الوعود والفشل في إدارة الأزمات، والتراخي في وقت يحتاج إلى شدة، وإسناد الحكومة لعديمي الخبرة والكفاءة والإصرار على بقائهم هي أبرز سقطات "الرئيس مرسي"، وما أقسى من أن تغفو المشاعر والعقول على فراش اللامبالاة، حيث إن الأخطاء الجسيمة المتتالية التي وقعت فيها الهيئة الإدارية لمؤسسة الرئاسة؛ بداية من إقالة "خالد علم الدين"، و تعيين نجل الرئيس والتراجع عنه، والتخبط في مواعيد الانتخابات البرلمانية، وتأخير الحوار الرئاسي إلى منتصف الليل دون الاعتذار، والعشوائية في التصريحات، والبطء في درء الشبهات التي كان بالإمكان أن تولد ميتة،لا يمكن التعليق عليها سوى أننا نتعامل مع عقول مشوهة شاءت المعجزة أن يكونوا في موقع المسؤولية. نحن اليوم أمام نقطة فارقة تاريخية، تحتاج إلى انتقاء الكفاءات في مؤسسات الدولة، بعد أن ُجمدت في زمن كانت تسوده الولاءات السياسية والمحسوبية والقرابة والرشوة، إلى أن أصبحت الدولة بلا هوية مؤسسية، وكانت النتيجة أن غادر المبدعون والكفاءات والمتميزون معترك الحياة، وتصدر للمشهد المرتزقة والرويبضة، لذا أدعو الرئيس أن يكف عن الاستهانة بالعقول المصرية، وأن يضيف إلى قائمة المراجعات قرار إقالة "ياسر علي" طبيب الجلدية من منصب رئيس لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، فنحن بحاجة إلى إعادة الاعتبار لذوي القدرات والمتخصصين والمبدعين كي يعملوا على إعادة الثقة وبث روح التفاؤل حتى نستطيع تهيئة بيئة سياسية ناضجة تتسع الجميع. رُب حال أفصح من مقال فلقد لخص الدكتور فاروق جويدة في قصيدته متى يفيق النائمون الوضع الراهن قائلًا: "وطن بعرض الكون.. يعرض في المزاد .. وطعمة الجرذان في الوطن الجريح يتاجرون .. أحيائنا الموتى على الشاشات .. فى صخب النهاية يسكرون .. من أجهض الوطن العريق .. وكبل الأحلام فى كل العيون .. يا أيها المتشرذمون كيف ارتضيتم أن ينام الذئب فى وسط القطيع وتأمنون " ، لم تعد لي رغبة في مواصلة مقال تلوثه حضور فئة يشعلون نيران الفتنه بحصائد ألسنتهم، وفي النهاية الخطأ يقع، والناجحون فقط هم الذين لا يتعثرون. www.m-zaid.com