الدولة المصرية تعيش حاليًا أضعف فترات تاريخها العريق فتشعر أنها مسكينة مستباحة لا ظهر لها، مراكز سيادتها تمرغ بالتراب، ولولا أن الله حباها بجيش مخلص لتفككت تمامًا وتحولت إلى دويلات من عينة دولة بورسعيد ودولة المحلة ودولة كفر الشيخ ودولة الفيوم.. وهكذا... الدول تستمد قوتها من سلطات حازمة فاهمة غير متبلدة الاحساس، وتسقط إذا تسلمتها سلطات مرتعشة مترددة تغلق قصرها وتغلق على نفسها الباب، ثم ينسحب حرسها إلى داخل القصر بحجة عدم الاحتكاك بالمتظاهرين، وينزوي الأمن المركزي بعيدًا بحجة عدم زيادة الاحتقان. وما بين الانسحاب والانزواء يتجرأ البلطجية ويعتلون الأسوار ويحرقون الأبواب والأشجار. ليس معنى أننا غاضبون هذه الأيام على مرسي أن ذلك تأييد لجبهة الإنقاذ. نحن نغضب من أجل مصر ونؤيد من أجلها، فإذا تعرضت للخطر بسبب ضعف قيادتها فلا نتوانى لحظة واحدة عن رفض السلطة الضعيفة المرتعشة. مرسي لم يقدم حتى الآن دليلًا واحدًا على أنه يفرق بين الطلاب الذين كان يحاضرهم في الجامعة وبين شعب كبير انتخبه رئيسًا وينتظر منه أن يؤدي واجباته تجاههم بحزم وقوة، لا أن يثبت لهم يومًا إثر يوم أن باب النجار مخلع، وأن العاجز عن حماية قصره ومحيط منزله في الزقازيق لا يستطيع أن يزيل عثرة طريق في قنا أو أسوان أو يحمي فتاة من الاغتصاب في ميدان التحرير. مصدر قوة أي رئيس دولة هو حكمته المتحركة وليست حكمة الصمت كأنه لا يرى ولا يسمع. كيف يتفاوض ويناور ويمنع ويمنح، لا أن يتعامل مع الاضطرابات التي تضربه في قصره ومنزله فيظهر أمام شعبه مسكينًا مثيرًا للشفقة عليه. مصر تستحق رئيسًا قويًا لا رئيسًا يستحق الشفقة، رئيسًا يمنح للوطن قيمته ويستمد قوته من إدراكه أنه يحكم شعبًا عظيمًا وبلدًا كبيرًا. ما زال أمامه الوقت ليغير من نفسه وطريقة إدارته للدولة التي تحتاج رئيس حكومة سياسيًا بخيال إبداعي خصب وليس هشام قنديل محدود الإمكانيات، وإلى حكومة تجري تحت سلطتها الانتخابات القادمة فتقتنع جميع القوى السياسية بنزاهتها وتقبل نتائجها، ولو تفكر الرئيس مرسي قليلًا لاكتشف أنها أخطر ما يواجه البلاد لو أفرزت الصناديق برلمانًا غير متوازن في ظل الحكومة الحالية حتى مع افتراض أنها ستكون انتخابات نزيهة مائة في المائة. مطلوب من مرسي أن يكون رئيسًا سياسيًا منفتحًا قادرًا على الخروج من المأزق، وفي الوقت نفسه رئيسًا حازمًا لا يثير الشفقة عليه وهو حاله الآن للأسف الشديد. [email protected]