لم يتحرك شيخ الأزهر من مكتبه إلى مطار القاهرة ليكون بجانب الرئيس مرسي ضمن مستقبلي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وفي مصر الجديدة لا أحد يستطيع أن يجبره على ذلك. أرسل رئيس دائرة مكتبه ووكيله، مع أن الكثيرين كانوا يعتبرون أن المدلولات الدينية لزيارة رئيس جمهورية ولاية الفقيه أكثر منها سياسية. هذا الفتور يترجم غضبًا كبيرًا في مصر من تغلغل المد الشيعي خلال السنوات الأخيرة، ومن يقومون بذلك يتلقون دعمًا ماديًا من طهران ويزورونها مقدمين أنفسهم على أنهم وكلاء للمذهب الذي لم يكن مصري واحد يعتنقه قبل سنوات قليلة. أشير هنا إلى أن المادة 219 من الدستور الجديد المعمول به حاليًا ألا تعترف بأي مذهب إسلامي غير مذاهب أهل السنة والجماعة وأصولها المعتبرة، ووضعت ذلك أساسًا لصياغة القوانين والأحكام التي يقضى بها مستقبلًا تطبيقًا للمادة الثانية التي قررت أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. أي أن الثورة المصرية أفرزت متغيرًا دستوريًا كبيرًا ومهمًا لا يعترف بالتشيع في مصر ولا بوجود شيعة فيها، ثم جاء الاستقبال الفاتر ومطالب شيخ الأزهر من الرئيس الإيراني بمثابة رسالة واضحة بأن العلاقات بين طهرانوالقاهرة لن يصنعها أو يقررها قصر الحكم وإنما تغيير الجانب الإيراني لمواقفه الدينية والسياسية من أهل السنة والجماعة، ليس في العالم الإسلامي فقط بل في إيران نفسها ومعاملتهم كمواطنين متساووين في الحقوق، والتوقف عن المد الشيعي في بلاد يدين أهلها بالمذهب السني، وإصدار فتوى تحرم سب الصحابة والسيدة عائشة وأمهات المؤمنين وعدم الاكتفاء بالكلام التقليدي الذي كرره نجاد خلال اللقاء بأن من يفعل ذلك ليسوا النخبة والعلماء ولكنهم الدهماء والجمهور. كذلك طلب شيخ الأزهر وقف التدخل الإيراني في شئون الخليج العربي واحترام سيادة البحرين كدولة عربية، ووقف دعم النظام السوري الذي يجعله يوغل في قتل شعبه. لم يذهب الشيخ إلى المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب اللقاء وكلف مستشاره الشيخ حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية بحضوره إلى جانب محمود أحمدي نجاد، وهذا إعلاء لقدر المشيخة وقدر الأزهر وتقليل من قيمة الزيارة واللقاء. كان الشافعي صارمًا أيضًا مما استثار مترجم نجاد فقال له "لم نتفق على هذا يا حاج" وأعقب ذلك تهديد الرئيس الإيراني بمغادرة المكان عندما تحدث الِشافعي عن حقوق أهل السنة والجماعة في إيران وحقوق أهل الأهواز العرب. استقبال الأزهر الفاتر لنجاد رسالة حازمة لطهران ولصناع القرار السياسي في القاهرة بأن المسافة شاسعة سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا لن تختصرها إطلاقًا هذه الزيارة التليفزيونية. الشعب المصري أيضًا لم يكن مرحبًا بنجاد حيث تعرض لانتقادات لفظية أثناء تنقله من مسجد الإمام الحسين إلى مسجد السيدة زينب، فاكتفى بذلك ولم يذهب إلى مسجد السيدة نفيسة كما كان مخططًا. لا يجب أن نغض الطرف عن الانتقادات التي وجهها التيار السلفي للزيارة وتحذيرات بعضهم بأنها تهدد الأمن القومي المصري، فالسلفيون هم أعرض وأكبر التيارات الدينية في مصر وأكثرهم التصاقًا بالناس من خلال مشاهير الدعاة والفضائيات الإسلامية والمساجد. [email protected]