عندما سئل قيادي قبطي في جبهة الإنقاذ ويرأس أحد الأحزاب الليبرالية عن اقتراب مصر من الحرب الأهلية، أجاب بأن لدينا جيشًا يحمينا من ذلك. قبلها بدقيقة أو دقيقتين تهكم على زميله البارز الدكتور محمد البرادعي لأنه دعا في "تويتة" إلى حوار يجمع الرئاسة وبعض القوى السياسية بوزيري الدفاع والداخلية، وطالبه بالرحيل وأخذ راحة في فيينا لأن المرحلة تجاوزته. سبب التهكم والهجوم الشديد أن دعوة البرادعي للحوار تضمنت وزير الدفاع بما يعني استدعاء الجيش مجددًا إلى ساحة السياسة. غير هذا القيادي كثيرون من القوى الإسلامية والمدنية هاجموا البرادعي لهذا السبب، رغم أنهم يدركون أن الدولة تعيش مرحلة الرجل المريض، وسبق أن سقطت إمبراطوريات عظمى عندما مرت بتلك المرحلة، أبرزها الدولة العثمانية التي ملأت الدنيا حضورًا وزهوًا ورقيًا وكان خراج السحابة يصلها أينما هطلت. من السخافة أن نبعد الجيش عن الساحة فيما تتخلق فيها ميليشيات عسكرية تهدد وتتوعد وتزرع الرعب، والشرطة التي انهزمت في جمعة الغضب 2011 ما زالت تعايش حالتها الانهزامية حتى إن بعضهم كان يتسول هدنة من المتظاهرين المشاغبين في ميدان التحرير وكوبري قصر النيل وميدان سيمون بوليفار. ومن السخافة أن يظن البعض أن الجيش سيظل عاصمًا للمجتمع من الحرب الأهلية، فيما تسمع تحريضات علنية له وللشرطة للتمرد والانضمام إلى المتظاهرين، وهي الدعوة التي أطلقها خطيب صلاة الجمعة، أول أمس، في ميدان التحرير. الجيش هو الأمل الوحيد للشعب المصري لانقاذه من الخوف الذي أدرك – وربما متأخرًا– أنه شعب تحكمه سلطة ضعيفة مرتعشة مترددة في قراراتها، تعجز أن تنفذ قرارًا واحدًا، آية ذلك قرار الطوارئ وحظر التجول الذي تحداه سكان مدن القناة من أول ساعة لسريانه، فاحتفلوا وتظاهروا وتعمدوا التسوق والخروج إلى الشوارع. خسر الرئيس مرسي الكثير من ثقة مؤيديه والمتعاطفين معه خلال أسبوع الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير، ولا أظن أن أحدًا ينتظر منه أن يقدم حلًا حاسمًا أو يضمن أمنًا واستقرارًا، فببساطة أثبتت الأحداث أنه لا يملك سلطات كثيرة، فمن لا يملك قراره لا يملك بطبيعة الحال حماية شعب ودولة. يبقى الأمل في الجيش الذي يملك القوة لفرض الأمن وإنقاذ الدولة من الانهيار، ولا يعني ذلك تحريضه على الانقلاب العسكري على السلطة المنتخبة وإنما التدخل بقوة لإجبار القوى الفاعلة، سلطة ومعارضة، على إيجاد مخرج عاجل ينقذ وطنًا يتفكك بأسرع من صناعة قنبلة مولوتوف، وتتبارى محافظاته ومدنه على إعلان استقلالها كما فعلت محافظة بورسعيد في الجمعة الأخيرة. الشارع ملك للفوضى الآن، وما لا ننتظره من مرسي بسبب ضعفه وتردده وعدم تمتعه بسلطات حقيقية كرئيس للجمهورية، لا ننتظره أيضًا من جبهة الإنقاذ التي أكدت أحداث العنف أمام قصر الاتحادية يوم الجمعة أنها لا تملك كلمة على الشارع، وهذا يعني أن الحال سيبقى فوضويًا والدولة آيلة للسقوط حتى لو حكمت جبهة الإنقاذ. بتنا على وثيقة الأزهر لنبذ العنف واستيقظنا على عنف غير مسبوق. ستزداد الأحوال سوءًا بعد بث مشهد سحل الشرطة لأحد المتظاهرين أمام قصر الاتحادية ودعوة الدكتور أيمن نور لرئيس الجمهورية بإقالة وزير الداخلية. هل بعد ذلك نخشى من الجيش بدعوى الحفاظ على مدنية الدولة التي لن تعيش كثيرًا في ظل التطورات السريعة المتلاحقة التي تعصف بها؟! [email protected]