عاشت الشرطة البريطانية " اسكوتلاند يارد " أياما من أسود أيامها خلال الأسبوعين الماضيين ، كانت كمن يتلقى الصفعات على شقي وجهه بدون أن يتمكن من الرد أو حتى من تقليل عنف الصفعة ، وذلك بعد أحداث التفجيرات التي وقعت في لندن وهي التي تتابعت خلال أسبوع واحد تقريبا ، هذه الأحداث أصابت الشرطة البريطانية بالهلع والكرامة المستباحة ، فكان طبيعيا أن ينعكس هذا التوتر على سلوكها ، وكان منطقيا أن يخلف هذا التوتر أخطاء وخطايا ، فما الذي حدث ؟ حدث أن استوقفت الشرطة في لندن أحد الشبان الآسيويين اشتبهت فيه وفيما يحمله أو بمعنى أصح طلبت منه التوقف ، الرجل لم يستجب للطلب ، ربما لم يفهم المقصد ، أو ربما أخذته العزة والأنفة أن يستوقفوه هو دون غيره ممن بالشارع على خلفية بشرته السمراء ، لا ندري بالضبط ، ولكنهم طلبوا منه التوقف ثلاث مرات والرجل يرفض فأطلقوا عليه الرصاص في مطاردة ، وقتل الرجل ، الشرطة البريطانية أعلنت في البداية أن الرجل كان مطلوبا توقيفه على خلفية الاشتباه في الأحداث الأخيرة ، ثم جرت تحقيقات مكثفة حول الرجل وعلاقاته وكافة المعلومات عنه ، ثم بعد يوم واحد فقط من التحقيقات أعلنت قيادة اسكتلند يارد " أن قتل الرجل كان خطأ وأن الرجل ليس مرتبطا بأي تنظيم أو مشتبها في علاقته بالتفجيرات الأخيرة ، وأعلنت الشرطة اعتذارها الكامل عما حدث ، بطبيعة الحال ما ارتكبته الشرطة البريطانية جريمة تستحق المحاسبة ، بقدر ما هي مأساة إنسانية أن يذهب إنسان برئ ضحية التعجل والاستهتار ، ولكن بالمقابل فإن مراجعة الشرطة البريطانية نفسها خلال أربع وعشرين ساعة فقط واعترافها علانية بالخطأ ، وإعطاء هذه التصريحات المخجلة لأجهزة الإعلام المختلفة ، وفي ظل التوتر الذي تعيشه والمهانة التي تستشعرها ، كل ذلك يجعلنا ننحني احتراما لهذا الجهاز ، الذي لم ينس في عنف المواجهة أنه في النهاية يمثل ذراعا للعدالة ، وأنه ملتزم أخلاقيا بحماية العدالة والعمل وفقها ، ترى هل المقارنة بين جهاز الشرطة البريطانية وبين أجهزة عربية مقابلة سيكون لصالح من ؟ أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال ستكون كافية لكي تكشف لنا في التحليل النهائي لماذا يصبح الإرهاب في المنطقة العربية سرطانا لا شفاء منه ، لا بقوانين طوارئ ولا بمحاكمات استثنائية أو عسكرية ، ولماذا يظل العنف الأسود دوامات لا نهاية لها ، ولا منطق ، ولا معنى .