لماذا رفض ممثلو 17 حزبًا وحركة سياسية دعوة الرئيس للجلوس على طاولة الحوار من أجل إنهاء الجدل والتوافق على تأسيسية الدستور؟ هل السبب يرجع إلى عدم اعترافهم بدولة الرئيس المنتخب، وأن الحوار ما هو إلا إضاعة للوقت مع رئيس لن يصدق أحدًا منهم حتى ولو كان صادقاً؟ أم أنهم يريدون أن يفاخروا بأنهم رفضوا الجلوس مع الرئيس الذى يلهث الجميع فلولاً وغير فلول لنيل شرف الجلوس إليه؟ الحقيقة أن رسالة الرفض للرئيس كانت واضحة جدًا هذه المرة عبر عنها لسان حالهم الذى يقول للرئيس: الحوار معك أنت لا.. مع غيرك نعم.. لكن صاحب الدعوة للحوار أعلن احترامه لمن رفضوا الحوار واعتبر الرئيس مرسى الدعوة مفتوحة فى أى وقت من أجل التوافق.. ولا تعليق.. وحتى لا تختلط الأوراق فإن الدكتور محمد مصطفى البرادعى، رئيس حزب الدستور، كان منسجمًا مع نفسه حينما رفض دعوة الرئيس فالرجل منذ البداية خرج من السباق.. أيضًا شباب الثورة الأنقياء وهم الآن قلة قليلة يتزعمهم شباب 6 إبريل من حقهم أن يرفضوا دعوة الرئيس للحوار، خاصة أنهم ليسوا طلاب سلطة مثل الآخرين.. من حقهم رفض دعوة الرئيس لأنه بالفعل مازالت هناك فجوة حقيقية بين طموحات الثوار الأبرار وبين طموحات الرئيس رجل الدولة.. وعلى الرغم من أنه لم توجه إليه الدعوة وهذا خطأ رئاسى فادح إن كان.. إلا أن الدكتور الطبيب عبد المنعم أبو الفتوح رفض الانضمام إلى جوقة الرافضين للحوار.. لكنه من جانب آخر ضرب مسودة الدستور فى مقتل حينما كشف العوار الدستورى الجسيم فى عدم النص الصريح على رفع التمييز بين المواطنين وحرمان أغلبية الشعب الفقير من حق الترشح للانتخابات والإبقاء على الاستثناءات، ومن بينها الاستثناءات فى سن الإحالة للتقاعد لتبقى النخبة الهرمة فى مواقعها وإلى الأبد. أما الصدمة الكبرى هى فى حمدين صباحى الجديد، الذى كان أحد نجوم المعارضة الديكورية المحترمة فى عهد السادات ومبارك.. إلا أنه وعقب إعلان خسارته فى الجولة الأولى للانتخابات انقلب على نفسه وعلى تاريخه وعلى مبادئه وعلى مصداقيته بل وهبط إلى الحضيض عندما نظم حملة شعبية - رفضها الثوار - ترفع شعار "ابطل صوتك يا أخى كى لا يفوز مرسى"، وهو يعلم أن الفحوى الحقيقية للشعار هى ابطل صوتك يا أخى لعل شفيق يفوز.. وفى الوقت الذى رفض فيه الجلوس مع الرئيس مرسى وافق على الجلوس مع الأمريكان وأعوان الأمريكان.. ولا أعرف هل مازال حمدين صباحى يذكر الحكمة المأثورة لزعيمه وزعيمنا جمال عبد الناصر الذى قال فى رسالة- يجب على الرئيس مرسى أيضًا أن يقرأها بعناية- قال عبد الناصر: "إذا رأيتم أن أمريكا راضية عنى فاعلموا أننى أسير فى الطريق الخطأ". الأمريكان كانوا يترقبون الانتخابات وعينهم على عدد المصريين الذين مازالوا يحبون عبد الناصر.. وكان المستفيد الأعظم هو حمدين صباحى الذى حصد ما يقرب من 5 ملايين صوت يؤيدون جمال عبد الناصر.. لكن الموقف المثير للأسى والحزن هو ما أعلنه الأمريكان عقب اجتماعهم مع حمدين قالوا- وأنا لا أصدقهم أصلاً - إن حمدين صباحى قام بتحريض الأمريكان ضد الرئيس مرسى. الحقيقة الأخرى الكامنة فى الصدور والتى لم يعلنها حمدين صراحة، بينما أعلنها عمرو موسى مدوية، هى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد وضع الدستور الجديد حتى لا يكمل مرسى مدته الدستورية، وهو الحلم الذى بدأ يلوح فى الأفق بعد أن تقدم شفيق أخيرًا بطعن فى الانتخابات يتناغم مع دعاوى بطلان تشكيل التأسيسية الذى يمكن أن ينسحب أيضًا على الدستور الجديد لتدخل مصر أبواب جهنم الديمقراطية، وليذهب الشعب إلى الجحيم طالما اختار رئيسًا إسلاميًا يحمل اسم محمد مرسى.