أسجل اعتراضي على الوقف الإداري للزميل جمال عبد الرحيم رئيس تحرير الجمهورية، وفي الوقت نفسه أسجل اعتراضي على "المانشيت" الرئيسي للصحيفة القائم على خبر "مجهل" وهو نوع من الأخبار "السهلة" ترفضه كراسات التحرير (ستايل بوك) الصحف ووسائل الإعلام الغربية وبعض العربية. أبدأ من الاعتراض الأول.. فلم يكن مناسبًا أبدًا ونحن نؤسس لمصر الديمقراطية والحريات أن يفقد رئيس تحرير أو صحفي وظيفته بقرار إداري يعيدنا إلى عصر "باتا" ولمن لا يعرف من الأجيال الجديدة، فقد كانت السلطة في عهد عبد الناصر تبعد المغضوب عليهم من الصحفيين إلى محلات "باتا" للأحذية! الأخطاء المهنية يتم التعامل معها داخل الصحيفة نفسها حرصًا على مصداقيتها وسمعتها، فستكون أول الخاسرين بنفي أخبارها أو تكذيبها وستفقد ثقة قرائها. قانونًا يمتلك مجلس الشورى الصحف الحكومية ويعتبر المجلس الأعلى للصحافة بمثابة مجلس إدارة موحد لتلك الصحف، لكن كان يجب على الدكتور أحمد فهمي والقائمين معه على الأمر أن يحصروا تلك الملكية في حيزها الشكلي الشاذ الذي أوجدته قوانين الأنظمة السابقة، ولا يتطرف في استخدام الملكية إلى التدخل في شئون تلك الصحف. وللحق لم يحدث ذلك التدخل في عهدي مبارك والسادات، وكان رئيس التحرير فوق الجميع بمن فيهم رئيس الوزراء نفسه. ولعلنا نتذكر الهجوم العنيف الذي شنه الراحل محسن محمد رئيس مجلس إدارة وتحرير الجمهورية على رئيس الحكومة في زمنه الدكتور علي لطفي، وكان محمد بمثابة "إله" في مؤسسة دار التحرير، لا يختلف كثيرًا عن تلميذه "سمير رجب" متخذًا قرارات جائرة ضد خصومه فلا يستطيع المجلس الأعلى للصحافة أو مجلس الشورى مراجعته. العاملون في الجمهورية يتذكرون الحرب المريرة التي شنها على الأستاذ محفوظ الأنصاري رئيس تحرير الجمهورية الذي جاء بعده مع احتفاظ محسن محمد بمنصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة، وفشلت كل محاولات الوساطة الحكومية. شخصيًا لا أنسى أنه منع تعييني لأن جواسيسه قالوا له إنني لم "أشرب الشربات" الذي كان يوزعه مناصروه عندما صدر قرار رئيس الجمهورية بالمد له بعد بلوغه السن القانونية. حينها سألني الأستاذ الفاضل عبد الوارث الدسوقي مساعد رئيس التحرير عليه رحمة الله، وقد عاد فيما بعد إلى بيته مساعدًا لرئيس تحرير الأخبار "ليه ما شربتش الشربات؟!" فأجبته معتقدًا بأنه يمزح.. "كنت أعاني من "مغص" شديد"!.. فعقب محتدًا: مش مشكلة وحتى لو شربته "سك".. يعني من غير إضافة ماء! ولما ذهبت إلى بيت الشاعر الراحل الكبير مأمون الشناوي وكان صديقًا لمحسن محمد، أكد لي حكاية "الشربات" بعد أن حاول التوسط لي عند محسن محمد! استعيد ذلك للتذكرة بأن رؤساء تحرير الصحف الحكومية كانوا أباطرة لا يعلو فوقهم سوى رئيس الجمهورية نفسه. لا أدعو إلى منح الحاليين نفس الأفضلية، وإنما التخلص من أخطاء الأزمان الماضية وإعادة دور الصحف إلى وضعها قبل تأميم عبد الناصر لها. جمال عبد الرحيم أخطأ في الاعتماد على "خبر مجهل" وجعله "مانشيت" الصحيفة، وهذا الخطأ يجب أن يكون عقابه من داخل أروقة الصحيفة من مجلس إدارة ومجلس تحرير، وحدهما المسئولان عن محاسبته بالطريقة المناسبة.. فمصداقية الصحيفة قضية مقدسة، والمهنية تقتضي عدم اعتماد خبر يبدأ بمصادر مطلعة أو مصادر موثوقة. لكن التعامل الإداري من خارج الصحيفة غلط جسيم ومؤذٍ لكل صحفي. [email protected]