لا حديث بعد الثورة لدى العلمانيين إلا عن خيانة الإخوان المسلمين لثورة الشعب المصرى وكيف أنهم تواطأوا مع المجلس العسكرى من أجل التهام "التورتة" بمفردهم. ولكن جاءت الشهادات الحية التى نشرتها جريدة الوطن لمجموعة من السياسيين الذين اقتربوا من صانعى القرار بحكم مواقعهم التنفيذية الهامة فى الفترة من بعد تنحى مبارك إلى عزل المشير والفريق عنان أمثال معتز بالله عبد الفتاح مستشار رئيس الوزراء عصام شرف، وأسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق، ود. على السلمى ومصطفى بكرى وغيرهم.. إضافة إلى الحوار المهم الذى أدلى به قائد القوات الجوية السابق ووزير الإنتاج الحربى الحالى الفريق رضا حافظ فى أخبار اليوم قبل حوالى أسبوعين وأيضًا حوار القاضية تهانى الجبالى للنيويورك تايمز.. جاءت كل هذه الشهادات لتضع النقاط على الحروف وتجيب عن العديد من الأسئلة الهامة وتهدم كل المسلمات التى روجتها النخب العلمانية وتكشف عن أكبر مؤامرة كانت تدبر لإجهاض ثورة الشعب المصرى عن طريق القوى الليبرالية واليسارية. فعن طبيعة الصفقات التى كانت بين المجلس العسكرى والإخوان يقول أسامة هيكل (الوفدى) "لم تكن صفقة كما يظن البعض، لكن «الملعب كان خالياً تماماً أمام الإخوان»، هم كفصيل رئيسى كان يتعامل بقوة مع المجلس العسكرى، وأى اجتماع لمناقشة أمر ما، كانت القوة الفاصلة هى الإخوان، وأى مليونية لا تنجح إلا إذا شاركوا فيها". شهادة هيكل تعضدها شهادة معتز بالله عبد الفتاح الذى أكد فيها حرص المشير على استبعاد أى وزير يشك فى كونه منتمياً للإخوان فيقول معتز: "لا أعتقد أنها صفقة، بالعكس كانت هناك مساحة رهيبة من الشك، وجرت حوادث كثيرة، يمكننى أن أذكر منها 3 أو 4 وقائع، مثلاً عندما تختار وزيرًا تجد التقارير كلها إيجابية وفجأة تجد المجلس العسكرى يرفضه، تسأل عن السبب يقولك أصله إخوان، رغم أن كل التقارير تؤكد أنه ليس «إخوان»، ولكن وقع فى يقين المشير تحديداً أنه إخوان". بل ويضيف معتز قائلاً: "إللى اكتشفته بمرور الوقت أن هناك اعتقادًا لقيادات كبيرة فى المجلس العسكرى بأنهم يرون أن الإخوان خطر على الأمن القٌطرى المصرى". ولكن لماذا اختار المجلس العسكرى المحامى الإخوانى صبحى صالح لعضوية لجنة تعديل الدستور؟ وهى الدليل الدامغ الذى صدعنا به العلمانيون واعتبروه برهاناً ساطعاً على التحالف بين العسكرى والإخوان هذه النقطة يشرحها معتز بقوله: "أنا سألت ده.. وتحديداً سألت لماذا أصبح صبحى صالح عضوًا فى لجنة تعديل الدستور، فكان الرد كنا عايزين نقول إنه خلاص مبقاش فيه حد مستبعد، ودولة جديدة منفتحة، والإخوان عنصر وطنى منهم من يفقه فى الأمر القانونى". وإذا كانت هذه هى طبيعة العلاقة بين العسكرى والإخوان فمن كان يروح ويجىء على المجلس ويشير عليه ومقرب منه يقول معتز: "لحد بعيد كانوا يستعينون بأشخاص محسوبين على النظام السابق، وعدد من الرموز الليبرالية مثل المستشارة تهانى الجبالى ونور فرحات ويحيى الجمل، كانت رموزًا ليست لها علاقة بالتيار الإسلامى على الإطلاق". أما الجريمة الكبرى التى ارتكبتها النخب العلمانية فى حق الشعب المصرى وثورته فتتمثل فى محاولتهم الدؤوبة أثناء المجلس العسكرى عن فكرة الانتخابات وتزيين البقاء فى السلطة له، وهذا ما صرح به الفريق رضا حافظ فى حوار لأخبار اليوم عندما أكد أنهم فى المجلس العسكرى كانوا يريدون تسليم السلطة فى 30/ 6 ولكن المستشارين والسياسيين ضغطوا عليهم للبقاء فى السلطة (تذكر حوار تهانى الجبالى فى النيويورك تايمز). أما أسامة هيكل فيعترف بكل صراحة بأنه قال للمشير "لماذا لا يتم ترشيح أحد من المجلس العسكرى كمنافس طالما لا توجد قوة مدنية أخرى على الأرض، وذلك حتى أفهم إلى أين تتجه نية المجلس العسكرى، فكان رد المشير قاطعاً بالنفى". ويمضى هيكل فى شهادته المهمة شارحًا الجهود الحثيثة التى بذلها من أجل إجهاض الحلم الديمقراطى وإلغاء الانتخابات فيقول: "كنا فى أول نوفمبر 2011، ذهبت لمجلس الوزراء وكان هناك اجتماع لمجلس الأزمة وقلت لهم إن إجراء انتخابات مجلس الشعب فى ظل غياب الدستور سيكون خطأ سياسياً فادحاً، ومصر الآن غير مؤهلة لهذه الخطوة، وسنصبح الحكومة التى سلّمت مصر للحكم الدينى، ووافق على كلامى الدكتور على السلمى ومنير فخرى عبدالنور وفايزة أبو النجا"، وعندما رفض الجنزورى اقتراحه لم ييأس هيكل بل ذهب فى اليوم التالى للمشير "وقلت له هذا الكلام وأعطيته الدراسة، وقلت له إن إجراء الانتخابات فى مصر فى هذا التوقيت وفى ظل عدم وجود دستور معناه أننا نسلّم مصر للحكم الدينى بنسبة تفوق ال60% ولأمد لا يعلم مداه إلا الله، فقال لى «لا.. النسبة مبالغ فيها»، واستطرد قائلاً: لا يمكننا وقف أو تأجيل انتخابات مجلس الشعب، ووصفها بأنها «التزام لا نستطيع التراجع عنه» مجموع هذه الشهادات الهامة والتاريخية - التى لم أر اهتمامًا بها حتى الآن من الإسلاميين – يرد الاعتبار للإخوان ويوضح دورهم التاريخى والهام فى الحفاظ على الثورة مهما اختلف معهم البعض سياسياً، كما تؤكد هذه الشهادات حقيقة الدور المشبوه الذى قامت به النخب الليبرالية واليسارية من أجل إعادة إنتاج نظام مبارك بشخوصه ورموزه واغتيال الثورة هروبًا من فشلهم الشعبى. ألا لعنة الله على الظالمين.