أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة منذ أيام قرارا بتخصيص يوم السابع والعشرين من يناير من كل عام لتذكر المحرقة النازية ضد اليهود، وجري تبني القرار بالاجماع دون أن تعترض عليه دولة عربية أو إسلامية واحدة. وعلى الرغم من موافقة مصر على القرار إلا أن السفير المصري في الأممالمتحدة إحتج على عدم تخصيص هذا اليوم لتذكر ضحايا جميع الإبادات وليس الهولوكوست فقط ، وقال " نحن نؤمن بضرورة عدم إحتكار المعاناة والتمييز بشأنها على أساس الدين أو العرق." وقال سفير الأردن "إن الهولوكوست كانت مأساة فظيعة إرتكبها أوربيون ضد أوربيين على أرض أوربية ، ويجب ألا تستغل كتبرير لاستمرار سيطرة شعب على آخر." وكانت الدول التي صاغت القرار وطرحته في أغسطس الماضي للتصويت عليه هي إسرائيل والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وروسيا . وقد أختير يوم 27 يناير لأنه في مثل هذا اليوم من عام 1945 تم تحرير معسكر (أوشفيتز) والذي إكتشف فيه جنود الحلفاء جثث آلاف من اليهود وغير اليهود. ويطالب القرار كوفي أنان بوضع مشروع علاقات عامة خاص بهذه المناسبة في خلال ستة شهور، يستند إلى ذكرى المحرقة كأساس لمنع وقوع عمليات إبادة أخرى ضد البشر. كما يحث القرار كافة دول العالم على تطوير برامج تعليمية حول الموضوع "لتعليم الأجيال القادمة دروس الهولوكوست" ، وتشجيع الرأي العام على الإنخراط في أنشطة تذكير بالمحرقة. كما يتضمن القرار بندا يمنع أي محاولة لإنكار الهولوكوست كليا أو جزئيا. وبالطبع أعربت إسرائيل عن سعادتها بهذا الإحتفاء بالضحايا اليهود ، وتحدث دان جيلرمان مندوب إسرائيل قائلا إن "الأممالمتحدة تتحمل مسئولية خاصة للتأكد من عدم نسيان الهولوكوست ودروسه ، وبقاء هذا الحدث إلى الأبد بمثابة إنذار للناس من مخاطر الكراهية والعنصرية والتحيز المسبق." وعلى الرغم من التحفظات التي أبداها سفيرا مصر والأردن، فإن أحدا لن يتذكرها، وستبقى الموافقة الإجماعية على القرار بمثابة سلاح أخلاقي في يد إسرائيل تستخدمه ضد كل من يشكك في أي من تفاصيل قصة المحرقة. بل لعلنا نرى في المستقبل قرارات مجلس أمن تطالب دول عربية بتسليم أحد كتابها لمحاكمته على مقال يشكك في الهولوكوست. وكان الواجب يستدعي من مصر وكافة الدول العربية رفض القرار لأنه لا يتضمن أية إشارة إلى إبادة مسلمي البوسنه والتصفية البطيئة الجارية منذ نصف قرن للشعب الفلسطيني. أما الموافقة على القرار فتعني إلتزاما أخلاقيا بتنفيذه ، أي بتعليم "دروس الهولوكوست" لأطفالنا في مصر لأن إسرائيل لن تسكت على تجاهل هذه الجزئية من القرار. يقول عبد الباري عطوان إن "الهولوكوست جريمة بشعة لا يمكن، بل ولا يجب انكارها، أو التقليل من خطورتها، ولكن هذه الجريمة تحولت إلي صناعة، وتخصيص يوم لضحاياها بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يشكل اهانة وتمييزا ضد المحارق الأخري التي وقعت في أجزاء أخري من العالم. أفران المحرقة لم تنصب فقط لليهود في المانيا، وانما للغجر والشاذين جنسيا والمعوقين، والكاثوليك. فلماذا يتم تجاهل هؤلاء والتركيز فقط علي الضحايا اليهود؟ السؤال هو ليس حول مدي بشاعة المحرقة وانما هو حول احتكار الالم وتقسيم المحارق علي اساس عنصري، بعضها درجة اولي واخري درجة سياحية. ربما يجادل البعض بأن عدد اليهود ضحايا الهولوكوست زاد عن ستة ملايين شخص، وينسي هؤلاء ان ضحايا الثورة الثقافية في الصين زادوا عن سبعين مليونا. وضحايا مجازر بول بوت في كمبوديا يقترب عددهم من عدد ضحايا المحرقة النازية. كنا نتمني لو ان دولة عربية واحدة قالت لا لهذا القرار كظاهرة احتجاج علي احتكار المعاناة، وللمطالبة بتذكر ضحايا آخرين، وخاصة ضحايا الهولوكوست الامريكي الراهن في العراق، حيث استشهد اكثر من مئة الف شخص حسب اكثر التقديرات تواضعا. الجمعية العامة للامم المتحدة كانت دائما مرتعا للنفوذ العربي، وشكلت المنبر الموازي للسيطرة الامريكية علي مجلس الامن. ولكن في ظل وجود انظمة عربية هزيلة فاسدة خسرنا هذا المنبر ولصالح اسرائيل." [email protected]