رغم محاولات الدكتور مرسي خلال خطاباته الثلاثة التي وجهها إلي الشعب إثبات أنه رئيساً لكل المصريين سواءً من انتخبه أو لم ينتخبه ، وكذلك محاولته لإرسال رسائل طمئنه للداخل وللخارج إلا إنه أصر علي تأكيد مخاصمته للتجربة الناصرية.. لقد ظهر ذلك جليا عندما قام الرئيس بسرد تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وتضحياتها قائلاً " لقد تحملت الجماعة في الأربعينات والخمسينات والستينات وما أدراك ما الستينات والسبعينات والثمانينات مروراً بثورة يناير العظيمة ". إن تأكيد الدكتور محمد مرسي على فترة الستينات يدل بما لا يدع مجالاً للشك الكراهية الشديدة للناصريين وكذلك للتجربة الناصرية ، الكراهية التي لم يستطيع أن يخفيها في اليوم الذي يعتبره كل المصريون عيداً لهم ، سواء من انتخب أو لم ينتخب مرسي، من شارك في الثورة أو من ظل متفرجاً. لأن هذا اليوم تذوق فيه المصريون طعم الديمقراطية الحقيقية، لأنهم مارسوا الحرية في انتخاب أول رئيس لهم بعد الثورة، سواء كان هذا الرئيس يرضي تطلعاتهم ويكون عوضا عن فترة حكم استبدادية ظلت جاسمة علي صدور المصريون جميعاً أم غير ذلك، ولكن غلب على الرئيس انتمائه لجماعة الإخوان، ونسي أنه أصبح رئيساً لكل المصريين. قام الرئيس بربط تواصل الدماء الذكية التي سالت بميدان التحرير وما يحيط به من أرواح ودماء شهداء الإخوان التي روت شجرة الحرية منذ إنشاء الجماعة في العشرينات من القرن الماضي وصولاً إلى اليوم ومروراً بالستينات، ولكنه نسي تخلي الإخوان عن مناصرة الثوار في أحداث ماسبيرو أو محمد محمود أو حتى بجوار مجلس الشعب وهل يوجد شهيدا خلال هذه الإحداث يحسب على الإخوان أم لا .. نسي الرئيس المنهج الذي اتبعه الإخوان في إفساد العديد من المليونيان وتركه للميدان فارغاً عندما كانت العلاقة بين الإخوان وبين المجلس العسكري وردية. هل بهذه الطريقة يمكن طمس الحقائق عن حقبة هامة في تاريخ مصر والعالم العربي؟ نسي الرئيس أن عبد الناصر هو الذي طرد الاحتلال وأقام الجمهورية التي جعلته مواطن يتمتع بكامل حقوقه السياسية والاجتماعية في الترشح والانتخاب إلى أن أصبح رئيساً للجمهورية بعد ثورة يناير , نسي الرئيس أن التجربة الناصرية حققت أعلى معدل نمو في الناتج المحلى الإجمالي في الأعوام (1960- 1965) حيث وصل معدل النمو في الناتج المحلى الإجمالي إلى 7% سنوياً وظلت هذه المعدلات من أعلى ما تحقق على مستوى العالم خلال الفترة نفسها طبقا لتقارير البنك الدولي، نسي الرئيس أن التجربة الناصرية قامت بإلغاء الطبقات بين الشعب المصري وأصبح الفقراء قضاة وأساتذة جامعات وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين مما أدى إلي تغيير البنية الاجتماعية للمجتمع المصري، أضف إلي ذلك القضاء على معاملة العمال كسلع تباع وتشترى ويخضع ثمنها للمضاربة في سوق العمل. كون الرئيس ينسي فهل يأمر الشعب بالنسيان ؟ لا يمكن أن ننسي إنشاء السد العالي وتأميم قناة السويس وقانون الإصلاح الزراعي و توزيع الأراضي علي الفلاحين. يا سيادة الرئيس كل مرحلة لها انجازاتها التي لا يمكن أن ننكرها وخاصة إذا كانت هذه الانجازات نلمسها ونشعر بها حتى هذه اللحظة ، وكذلك لكل مرحلة أخطائها التي يجب ألا ننساها حتى لا نقع فيها مرة أخري. الإخوان مدركون تماما أن عبد الناصر بكل ما قدمه للوطن أخرهم ما يزيد عن ستين عاما من الوصول إلي حكم مصر ، ولكن الإخوان خلال هذه الفترة لم يستسلموا، نظموا أنفسهم وأعادوا ترتيب أوراقهم ، أقاموا التربيطات والتحالفات هنا وهناك وأصبح لهم تواجد كبير في الشارع وفي قلوب المصريين البسطاء الذين لا يعرفون كثيرا عن التاريخ ولا يفقهون السياسة ، وبقيام ثورة يناير أصبحوا الفصيل الوحيد المنظم القادر علي حشد أنصاره ، وخيل لهم، أنهم تحكموا في عقل الأمة قبل أن يحكموها . ولكن هذا الشعب يتمتع بذكاء فطري يجعل له القدرة علي التحليل والنقد والوقوف بحزم لكل من يريد أن يسرق منه إرادته. وليتذكر الدكتور مرسي أن هذه الانتخابات أدت إلي تقسيم الشعب المصري إلي ثلاثة أقسام، القسم الأول وهو الذي أنتخبه ويبلغ تعدادهم 13 مليون تقريباً، ولكن نصفهم أدلي بصوته للدكتور مرسي كرهاً في النظام السابق وخوفاً من عودته مرة أخري ، والقسم الثاني من أدلي بصوته للفريق شفيق وبلغ تعدادهم 12 مليون تقريباً، وهم من أدلوا بأصواتهم خوفاً من هيمنة الإخوان على كل مفاصل الدولة ، أما القسم الأخير فهو القسم الذي فضل عدم المشاركة في الانتخابات لعدم اقتناعه بهذا أو ذاك، وهذا القسم يمثل تقريبا قرابة 25 مليون مواطن و يتكون من ثلاث تيارات؛ اللبرالي واليساري والناصري. لذا ينبغي علي الرئيس بحكم موقعة الحالي وكونه رجل دولة أن يعمل علي تجميع هذه الفرق ولم شمل الشعب المصري الذي أصبح مقسما رأسيا وليس أفقيا وجعله تحت قلب رجل واحد، وأن لا تكون المرحلة القادمة هي مرحلة تصفية الحسابات، فالرئيس أمامه أن يختار بين أن يكون رئيسا للمصريين فعلاً لا قولاً أم أن يكون رئيساً للإخوان.